وبما أن القرآن يتحدث عن الوحي، فإنه لايذكر العقل، بل يقتصر على التوجه إلى قلبالرسول.وهذا يعني إن القرآن لم يحصلللرسول عن طريق قوة العقل، ولا بالاستدلالالعقلي.وإنما هو قلب الرسول الذي بلغ حالةلا نستطيع نحن تصورها.فاصبح فيها قادراعلى إدراك تلك الحقائق السامية وشهودها.إن كيفية هذا الأرتباط مبينة إلى حد ما فيآيات من سورتي النجم والتكوير(1)
وإذ يتحدث القرآن عن الوحي، وإذ يخاطبالقرآن القلب، يكون بيانه أوسع من العقل،ولكنه ليس ضده.ذلك لأن ما يعرضه القرآنأوسع في منظوره من منظور العقل والشعور،بحيث لا يقدر على إدراكه ويعجز عن نيله.
القلب في نظر القرآن أداة من أدواتالمعرفة، إذ إن القرآن في معظم رسالتهيخاطب القلب، تلك الرسالة التي تستطيع أذنالقلب وحدها سماعها، وما من أذن أخرىقادرة على سماعها.لذلك فالقرآن كثيرا مايعنى بالحفاظ على هذه الأداة، وبتعهدهاوتربيتها.هنالك الكثير من الآيات فيالقرآن نقرأ فيها عن تزكية النفس، ونورالقلب، وصفائه:
(قد ألح من زكاها)(2)
(كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون)(3)
(إن تتّقوا الله يجعل لكم فرقانا).(4)
(والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا).(5)
وبالنظر إلى أن السيئات تلقي الظلام علىروح الإنسان وتكدر صفاءه، وتبعد عنه حبهللخير وسعيه إليه، فقد تكرر القول فيالقرآن بهذا الشأن، وقد جاء على لسانالمؤمنين:
(ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا).(6)
أو يقول في وصف المسيئين:
(1). نقرأ في سورة النجم الآيات التالية: (وما ينطق عن الهوى، إن هو إلاّ وحي يوحى،علّمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى، وهوبالأفق الأعلى، ثمّ دنا فتدلّى، فكان قابقوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ماكذب الفؤاد ما رأى). يذكر القرآن كل هذه الأمور لكي يبين إنمستوى هذه المسائل أرفع من مستوى العقل،فالحديث هنا عن الرؤية والسمو. ونقرأ في سورة التكوير: (إنّه لقول رسولكريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثمأمين، وما صاحبكم بمجنون، لقد رآه بالأفقالمبين، وما هو على الغيب بضنين). يقول اقبال اللاهوري في تعبير لطيف بهذاالخصوص: "ان الرسول هو من تفيض عنه الحقائقإذ يمتلئ بها فيعرض مما أوتي على الناس لكييغير ويبدل ويرتب وينظم".. (2). سورة الشمس: 9. (3). سورة المطففين: 14. (4). سورة الأنفال: 29. (5). سورة العنكبوت: 29. (6). سورة آل عمران:8.