فهو عليه السلام يشكو و يظهر ما فعلوه معه، بطريقة عرض ما حدث، لا بطريقة الاحتجاج، بحيث يكون ذلك هو محور الاخذ و الرد، و الجزم و الحسم، بل كانت الاحتجاجات تتجه دائما نحو احقاق الحق فى الامر الاهم، و القضية الكبرى، قضية الانقلاب الذى استهدف الخلافة (التى ترتبط بالواقع الاسلامى كله) على حد تعبير المستدل. و ثمة روايات اخرى ستاتى فى فصل النصوص و الآثار، انشاءالله.
اما بالنسبة لتساؤل البعض عن السبب فى عدم استفادة على عليه السلام من هذا الامر فى حجابه و احتجاجه، مع ان فيه حجة قوية و هامة عليهم، و اثارة عاطفية من جميع الجهات ضدهم على حد تعبير المستدل.
فاننا نقول:
1- لم يكن هذا الامر خافيا على الناس ليذكره (ع) لهم، و يخبرهم به.
و ليس بالضرورة استيعاب جميع الوقائع للاحتجاج بمضمونها لا سيما مع وضوحها و ظهورها.
2- لم يكن الموقف يتحمل اثارة، العواطف، بل كان لا بد من المداراة، و تهدئة العواطف الثائرة حتى لا يبلغ السيل الزبى، و يقع فى مخالفة امر رسول الله (ص) له بالسكوت، و عدم المواجهة المسلحة لهم؛ لما فى ذلك من اضعاف للدين، و تهيئة لاجواء الردة عن الاسلام، كما صرح به اميرالمؤمنين عليه السلام فى نهج البلاغة و غيره.
3- قد تقدم انه عليه السلام قد ذكر ذلك حين لم يكن ثمة ما يمنع من ذكره، و لكن بطريقة هادئة، لا تجعل الخلافة خلافا على امر شخصى، يمكن الاعتذار منه، و العفو عنه.
4- ان مخالفتهم لامر الله و لامر رسول الله (ص) هى الاهم، و الاولى بالتذكير بها؛ لانها هى المعيار و المقياس للحق و للباطل، اما الجراح الشخصية، و الآلام الروحية فيمكن حل عقدتها ببعض من
الكلام المعسول منهم، و بالخضوع الظاهرى باظهار العذر و الندم، بحيث يظهر للناس انه ليس ثمة مبرر للاصرار على ادانتهم. و ما ذكر من محاولة استرضائهما لها (ع) قبل وفاتها خير دليل على ذلك.
و سنوضح هذا الامر فى موضع آخر ان شاء الله تعالى.
و قد تساءل المتسدل بكلام كاشف الغطاء عن السبب فى عدم ذكرها ما جرى- من ضرب و اسقاط الجنين- لابى بكر و عمر، حينما جاءا اليها ليسترضياها.
و نقول فى الجواب:
1- انها لم تذكر ايضا لهما حين جاءا غصب فدك، و لا غصب الخلافة، اللذين اشار اليهما المستدل فى سؤاله، و هو نفسه يعتبر غصب الخلافة اعظم من اى جريمة.
2- ان ذكر هذا الامر لهما لا بد ان يكون له غرض، وداع. و لم يكن غرضها آنئذ يتعلق بالذكر نفسه، بل ارادت اقامة الحجة عليهما بانتزاع اقرار منما بما سمعاه من ابيها، فرفضت ان تكلمهما قبل هذا الاقرار، ثم سجلت الموقف الحاسم و الدائم لها بادانتهما على مر الاعصار و الازمان، و لم تفسح لهما فى المجال لطرح اية قضية اخرى على الاطلاق، و لم تكن جلسة حساب او عتاب، او تعداد لما فعلاه معها، لان ذلك لن يجدى شيئا، فقد يعتذران عن ذلك بانها كانت فلتة، فرضتها ظروف الهيجان و الغضب غير المسؤول مفلم تعطهما عليهاالسلام الفرصة لذلك، و هذا من بالغ الحكمة، و صواب
الراى منها (ع).
و لاجل ذلك: نجدها عليهاالسلام تكتفى باجمال الامور، و تعرض عن تفاصيلها، فهى تقول: اللهم اشهد انهما آذيانى الخ..
ينقل البعض عن العالم العلم الحجة السيد عبدالحسين شرف الدين: انه قال له: الثابت عندنا انهم جاؤا بالحطب ليحرقوا باب البيت؛ فقالوا: ان فيها فاطمة، قال: «و ان»...
و يضيف هذا البعض فى تاييد ذلك قوله: «و لم يذكر السيد عبدالحسين فى النص و الاجتهاد، و لا فى المراجعات، اى شى ء من هذا الذى يقال. راجعوا!!».
و نقول فى الجواب:
اولا: ان السيد عبدالحسين شرف الدين لم يكن فى تآليفه بصدد تفصيل هذا الامر و تحديد ما هو الثابت منه، و ما ليس بثابت، بل انه لو اراد ان يبحث بهذه الطريقة فلربما كان قد اساء الى الهدف الذى كان يسعى له، من وراء تآليفه تلك. و قد قال الله سبحانه: (ادع الى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة، و جادلهم بالتى هى احسن)
سورة النحل: 124.