و بعد... فقد حان الوقت لعرض طائفة من النصوص التى حفلت بها الكتب التاريخية و الحديثية. والتى تضمنت الكثير مما يدل على مهاجمة بيت الزهراء، و هتك حرمتها، حيث تناولتها ايدى المهاجمين بالضرب و الاذى..
و الظاهر: ان ذلك قد تكرر منهم، بتكرر مهاجماتهم لاهل بيت النبوة، فنتج عن ذلك كله اسقاط جنينها، و فوزها بدرجة الشهادة. و أجد أننى فى غنى عن التأكيد على النقاط التالية:
1- ان هذه القضية لا يمكن استيفاء التقصى فيها، فلا بد من الاقتصار على ما لا يرتاب فيه المنصف... و الا، فان المؤلفات كثيرة تعد بالالوف، و لا يسعنا استقصاؤها جميعا.
2- انه حتى اولئك الذين تصدوا لتنقية التراث من شوائب يرون انها قد علقت به لم يعتبروا هذا الحديث واحدا منها، فها هو العلامة المتبحر السيد محسن الامين مثلا، الذى تصدى لتهذيب مجالس العزاء، بالاعتماد على المصادر الموثوقة على حد تعبيره- و قد ذكر منها: كتاب سليم بن قيس- قد ذكر هذه الاحداث، و قررها، و نظم فيها الاشعار. فاستمع اليه حيث يقول:
«و لما الفنا المجالس السنية هذبناها والحمدلله من جميع ذلك،
و ميزنا القشر من اللباب، و الخطا من الصواب الخ..»
[ اعيان الشيعة: ج 10 ص 173.]
و قال:
«.. لما الفنا لواعج الاشجان صارت قراءة المقتل فيه. و صارت قراءة الذاكرين فى المجالس السنية، فخلصت الاحاديث، و صفت من تلك العيوب»
[ اعيان الشيعة: ج 1 ص 343.]
لكن ما جرى على الزهراء موجود فى معظمه فى الكتب الموافقة للمواصفات التى شرطها على نفسه لجمع هذه المجالس و تهذيبها. و هذا يعنى: انه يرتضى ذلك، و لا يعتبره موضع نقاش.
3- لقد ذكرنا فى قسم النصوص عدة فصول لابد من ضم بعضها الى بعض، فلاحظ ما يلى:
أ- فصل يتضمن حوالى اربعين رواية من بينها ما هو صحيح، و معتبر. يتحدث عما لاقته الزهراء عليهاالسلام من مصائب و بلايا بعد وفاة ابيها.
ب- و آخر يتضمن اشعار الشعراء حيث ذكرنا مجموعة صالحة منها.
ج- ثم ذكرنا نصوصا كثيرة فى فصل ثالث ايضا، تتحدث عن المحسن.
د- هذا بالاضافة الى فصل الاحتجاجات المذهبية بهذا الامر عبر العصور.
ه- ذكرنا فصلا آخر، بعنوان: الحدث فى كلمات المحدثين، و المؤرخين، ذكرنا فيه ايضا عشرات النصوص التى تؤكد ما حصل للزهراء من أذى بعد وفاة ابيها.
فاذا ضممنا كل ذلك بعضه الى بعض، فسوف يتحصل لدينا قدر كبير من النصوص لا يمكن ابدا ان تكون جميعها مكذوبة و موضوعة، و هو معنى التواتر.
و لو أردنا أن نقنع أنسفنا بزيفها و بطلانها، و هى بهذه الكثرة الكاثرة، فلن نستطيع أن نقتنع بأية حقيقة دينية أو تاريخية أخرى... أو فقل: اننا سنجد أنفسنا فى موقع العجز عن الاقتناع بكثير منها.
4- و قد يلاحظ وجود بعض التشابه فيما بين بعض النصوص، الامر الذى يوحى بعدم لزوم اعادة كتابة النص. ولكننا انما أعدنا كتابته، من أجل الالفات الى وجود اختلاف أو خصوصية جديدة فى الرواية، أو فى المروى عنه.
و قد حصل ذلك فى موارد يسيرة قد لا تتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة فليلاحظ ذلك.
5- اننا قد ذكرنا عددا يسيرا جدا من النصوص التى اوردها بعض المتأخرين من المؤلفين، لأننا وجدناها تشتمل على خصصويات لم نوفق للبحث عنها فى كتب المتقدمين، فليلاحظ ذلك ايضا.
6- و أخيرا.. فانه اذا كان البعض يستند فى «فتاواه أحيانا الى خبر واحد ممدوح او موثق او ضعيف لا مقتضى- عنده- للكذب فيه، و يريد من الناس فى جميع أقطار الارض أن يعملوا بمقتضاه، فهل يعقل: ان يرفض أو يشكك فى ثبوت مضمون هذا القدر العظيم من
النصوص، والذى يمكن أن يجد روافد مستمرة تؤكد مضمونه، و ترسخ اليقين بصدوره.
و مهما يكن من أمر، فاننا نضيف ما يأتى الى ما تقدم، و نعتذر للقارى ء الكريم على الاكتفاء بهذا القدر. و بامكان كل واحد أن يجد المفيد، و المزيد، و التجربة أدل دليل.
فالى ما يلى من مطالب و من الله نستمد العون، و عليه نتوكل.
اننا نرى: ان الشعراء قد أفاضوا فى ما تعرضت له الزهراء، من ظلم، و اضطهاد، و ضرب، و اسقاط الجنين. منذ القرون الاولى، و الى يومنا هذا، و هم يجعلون ذلك مبررا لانتقاداتهم لمن شارك فى ذلك، او تصدى له.
و بعض هؤلاء الشعراء معاصر للائمة (ع)، أو ان عصره قريب من عصرهم.
و هذا يعتبر سندا تاريخيا قويا، بل قوته تزيد فى تأكيد ثبوت مضمونه على روايات النقلة من المحدثين و المؤرخين، و نحن نذكر هنا باقة من الشعر فى تلك العصور المتلاحقة، و الى يومنا هذا..
فنقول:
ان السيد الحميرى رحمه الله معاصر للامامين الصادق و الكاظم (ع) و هو يقول:
[ السلع: الشق و الجرح. ]
شعر=
[ الصراط المستقيم: ج 3 ص 13. ]
و قال البرقى، و هو عبدالله بن عمار:
فلم أقل غدرا الخ...
[ المصدر السابق نفسه. ]
و قد نظم القاضى النعمان
و هو اسماعيلى النحلة- ما جرى بعد وفاة رسول الله (ع) فى ضمن أرجوزته الجامعة فى العقائد فقال:
فوقفت عن
[ لعل الصحيح: من. دونه تعذلهم
فكسر الباب لهم أولهم
الى ان قال:
الى أن قال:
[ الارجوزة المختارة: ص 88/ 92.] .
و قال الشاعر الفذ مهيار الديلمى رحمه الله فى جملة قصيدة له:
فرحوا يوم أهانوك بما ساء أباك
[ ديوان مهيار: ج 2 ص 367 (368. و شرح نهج البلاغة للمعتزلى الشافعى: ج 16 ص 235 و 236.] .
و قال الامير على بن مقرب الاحسائى، و هو من الادباء البلغاء المعروفين:
[ أدب الطف: ج 4 ص 32 عن اثبات الهداة.] .
و قال الشيخ على بن عبد العزيز الخليعى الحلى فى جملة قصيدة له:
[ المتنتخب للطريحى: ص 161.] .
و قال العالم الفاضل و الاديب الكامل علاءالدين الشيخ على بن الحسين الحلى الشفهينى المعاصر للشهيد الاول، و قد شرح الشهيد رحمه الله بعض قصائده:
و أجمعوا الامر فيما بينهم و غوت لهم أمانيهم، و الجهل، و الامل
و أخرج المرتضى من عقر منزله... الخ
[ الغدير: ج 6 ص 391.] ]
و قال الشيخ مغامس الحلى، فى جملة قصيدة له:
شعر=
من بعدما رمت الجنين بضربة فقضت (بذاك)
[ زدنا هذه الكلمة ليستقيم الوزن. و حقها مغصوب
[ المنتخب للطريحى: ص 293.] ]
و قال العلم العلامة الفقيه الكبير و الأديب الجليل الشيخ مفلح الصيمرى فى جملة قصيدة له:
[ المنتخب للطريحى: ص 137.] .