على، ما استخلفنى رسول الله!
فغضب عمر، و وثب (و قام). فقال أبوبكر: اجلس.
ثم قال لقنفذ: «اذهب اليه فقل له: أجب أميرالمؤمنين أبابكر»!
فأقبل قنفذ حتى دخل على على (ع) فأبلغه الرسالة.
فقال (ع): كذب والله، انطلق اليه فقل له: (والله) لقد تسميت باسم ليس لك، فقد علمت أن أميرالمؤمنين غيرك.
فرجع قنفذ فأخبرهما.
فوثب عمر غضبان فقال: والله انى لعارف بسخفه و ضعف رأيه، و انه لا يستقيم لنا أمر حتى نقتله، فخلنى آتك برأسه!
فقال أبوبكر: اجلس فأبى، فأقسم عليه، فجلس، ثم قال: يا قنفذ، انطلق فقل له: أجب أبابكر.
فأقبل قنفذ فقال: «يا على، أجب أبابكر».
فقال على (ع): «انى لفى شغل عنهم، و ما كنت بالذى أترك وصية خليلى و أخى، و أنطلق الى أبى بكر و ما اجتمعتم عليه من الجور».
فانطلق قنفذ فأخبر أبابكر، فوثب عمر غضبانا، فنادى خالد بن الوليد و قنفذا، فأمرهما أن يحملا حطبا و نارا، ثم أقبل حتى انتهى الى باب على (ع)، و فاطمة (ع) قاعدة خلف الباب، قد عصبت رأسها، و نحل جسمها فى وفاة رسول الله (ص)، فأقبل عمر حتى ضرب الباب، ثم نادى: «يا ابن أبى طالب: افتح الباب».
فقالت فاطمة (ع): يا عمر، ما لنا و لك؟ لا تدعنا و ما نحن فيه.
قال: افتحى الباب و الا أحرقناه عليكم!
فقالت: يا عمر، أما تتقى الله عز و جل، تدخل بيتى و تهجم على دارى؟
فأبى أن ينصرف، ثم دعا عمر بالنار فأضرمها فى الباب، فأحرق الباب، ثم دفعه عمر، فاستقبلته فاطمة (ع) و صاحت: «يا أبتاه! يا رسول الله»! فرفع السيف و هو فى غمده فوجأ به جنبها فصرخت، فرفع السوط فضرب به ذراعها فصاحت: «يا أبتاه»!
فوثب على بن أبى طالب (ع) فأخذ بتلابيب عمر ثم هزه فصرعه، و وجأ أنفه، و رقبته، و هم بيقتله، فذكر قول رسول الله (ص) و ما أوصى به من الصبر و الطاعة، فقال: والذى كرم محمدا بالنبوة يا ابن صهاك، لو لا كتاب من الله سبق لعلمت انك لا تدخل بيتى.
فأرسل عمر يستغيث، فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، و سل خالد بن الوليد السيف ليضرب فاطمة (ع)! فحمل عليه بسيفه، فأقسم على على (ع)، فكف.
وأقبل المقداد، و سلمان، و أبوذر، و عمار، و بريدة الاسلمى حتى دخلوا الدار أعوانا لعلى (ع)، حتى كادت تقع فتنة، فأخرج على (ع) و اتبعه الناس و اتبعه سلمان و أبوذر و المقداد و عمار و بريدة (الاسلمى رحمهم الله) و هم يقولون: «ما أسرع ما خنتم رسول الله (ص)، و أخرجتم الضغائن التى فى صدوركم».
و قال بريدة بن الخصيب الاسلمى: يا عمر، أتثب على أخى رسول الله و وصيه، و على ابنته، فتضربها، و أنت الذى تعرفك قريش بما تعرفك به.
فرفع خالد بن الوليد السيف ليضرب به بريدة و هو فى غمده، فتعلق به عمر، و منعه من ذلك.
فانتهوا بعلى (ع) الى أبى بكر ملببا، فلما بصر به أبوبكر صاح: خلوا سبيله!
فقال على (ع): «ما أسرع ما توثبتم على هل بيت نبيكم! يا أبابكر، بأى حق و بأى ميراث، و بأى سابقة تحث الناس الى بيعتك؟! ألم تبايعنى بالامس بأمر رسول الله (ص)»؟!
فقال عمر: دع (عنك) هذا يا على، فو الله ان لم تبايع لنقتلنك».
الى أن تقول الرواية:
ثم قال: يا على، قم بايع.
فقال على (ع): ان لم أفعل؟ قال: اذا والله نضرب عنقك. قال (ع): كذبت والله يا ابن صهاك، لا تقدر على ذلك، أنت ألأم و أضعف من ذلك.
فوثب خالد بن الوليد، و اخترط سيفه، و قال: «والله، ان لم تفعل لأقتلنك».
فقام اليه على (ع) و أخذ بمجامع ثوبه، ثم دفعه حتى ألقاه على قفاه، و وقع السيف من يده!
فقال عمر: قم يا على بن أبى طالب فبايع.
قال (ع): فان لم أفعل؟
قال: «اذا والله نقتلك».
واحتج عليهم على (ع) ثلاث مرات، ثم مد يده من غير أن يفتح كفه، فضرب عليها أبوبكر. و رضى (منه) بذلك، ثم توجه الى منزله و تبعه الناس»
[ سليم بن قيس (بتحقيق الانصارى): ج 2 ص 862/ 868 و البحار: ج 28 ص 297/ 299. و ج 43، ص 197، و راجع: العوالم: ج 11 ص 400/ 404.]
9- و يقول سليم بن قيس أيضا:
قال ابن عباس: ثم انهم تآمروا و تذاكروا فقالوا: «لا يستقيم لنا أمر ما دام هذا الرجل حيا»!
فقال أبوبكر: من لنا بقتله؟
فقال عمر: «خالد بن الوليد»! فأرسلا اليه فقالا: «يا خالد، ما رأيك فى أمر نحملك عليه؟
قال: احملانى على ما شئتما، فوالله ان حملتمانى على قتل ابن أبى طالب لفعلت.
فقالا: والله ما نريد غيره. قال: فانى له!
فقال أبوبكر: اذا قمنا فى الصلاة صلاة الفجر فقم الى جانبه و معك السيف. فاذا سلمت فاضرب عنقه.
قال نعم، فافترقوا على ذلك.
ثم ان أبابكر تفكر فيما أمر به من قتل على (ع) و عرف أنه ان فعل ذلك وقعت حرب شديدة و بلاء طويل، فندم على ما أمره به، فلم ينم ليلته تلك حتى (أصبح، ثم) أتى المسجد و قد أقيمت الصلاة، فتقدم فصلى بالناس مفكرا لا يدرى ما يقول.
و أقبل خالد بن الوليد متقلدا بالسيف حتى قام الى جانب على (ع)، و قد فطن على (ع) ببعض ذلك. فلما فرغ أبوبكر من تشهده، صاح قبل أن يسلم: «يا خالد لا تفعل ما أمرتك، فان فعلت قتلتك»، ثم سلم عن يمينه و شماله.
فوثب على (ع)، فأخذ بتلابيب خالد، و انتزع السيف من يده، ثم صرعه و جلس على صدره و أخذ سيفه ليقتله. و اجتمع عليه أهل المسجد ليخلصوا خالدا فما قدروا عليه.
فقال العباس: حلفوه بحق القبر «لما كففت». فحلفوه بالقبر فتركه، و قام فانطلق الى منزله.
و جاء الزبير، و العباس، و أبوذر، و المقداد، و بنوهاشم، و اخترطوا السيوف و قالوا: «والله لا تنتهون حتى يتكلم و يفعل»! واختلف الناس و ماجوا، و اضطربوا.
و خرجت نسوة بنى هاشم فصرخن و قلن: يا أعداء الله، ما أسرع ما أبديتم العداوة لرسول الله و أهل بيته، لطالما أردتم هذا من رسول الله (ص)، فلم تقدروا عليه، فقتلتم ابنته بالامس ثم (أنتم) تريدون اليوم أن تقتلوا أخاه و ابن عمه و وصيه و أباولده؟ كذبتم و رب الكعبة، ما كنتم تصلون الى قتله».
حتى تخوف الناس أن تقع فتنة عظيمة
[ كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الانصارى): ج 2 ص 871- 873. و البحار: ج 28 ص 306: و راجع: كامل بهائى: ج 1 ص 314، و راجع: العوالم: ج 11 ص 400- 404.]
المفيد فى الامالى:
10- أبوعبدالله المفيد، أخبرنى أبوبكر محمد بن عمر الجعابى، قال: حدثنا أبوالحسين العباس بن المغيرة، قال: حدثنا أبوبكر أحمد بن منصور الرمادى، قال: حدثنا سعيد بن عفير، قال: حدثنى ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن أبى هلال، عن مروان بن عثمان.
قال: لما بايع الناس أبابكر دخل على (ع)، و الزبير، و المقداد بيت فاطمة (ع)، و أبوا أن يخرجوا.
فقال عمر بن الخطاب: أضرموا عليهم البيت نارا، فخرج الزبير و معه سيفه.
فقال أبوبكر: عليكم بالكلب، فقصدوا نحوه، فزلت قدمه، و سقط الى الارض، و وقع السيف من يده.
فقال أبوبكر: اضربوا به الحجر، فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر، و خرج على ابن أبى طالب (ع) نحو العالية، فلقيه ثابت بن قيس بن شماس، فقال: ما شأنك يا أباالحسن.
فقال أرادوا أن يحرقوا على بيتى و أبوبكر على المنبر يبايع له، و لا يدفع عن ذلك و لا ينكره.
فقال له ثابت: و لا تفارق كفى يدك حتى أقتل دونك، فانطلقا جميعا حتى عادا الى المدينة، و اذا فاطمة (ع) واقفة على بابها و قد خلت دارها من أحد من القوم و هى تقول: لا عهد لى بقوم أسوأ محضرا منكم، تركتم رسول الله (ص) جنازة بين أيدينا، و قطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، و صنعتم بنا ما صنعتم و لم تروا لنا حقا؟!
[ أمالى المفيد: ص 49/ 50. و البحار: ج 28 ص 231/ 232.]
11- قال الشيخ المفيد رحمه الله تعالى:
«لما اجتمع من اجتمع الى دار فاطمة (ع) من بنى هاشم و غيرهم للتحيز عن أبى بكر، و اظهار الخلاف عليه، أنفذ عمر بن الخطاب قنفذا، و قال له: أخرجهم من البيت، فان خرجوا، و الا فاجمع الاحطاب على بابه، و أعلمهم: انهم ان لم يخرجوا للبيعة أضرمت البيت عليهم نارا.
ثم قام بنفسه فى جماعة، منهم المغيرة بن شعبة الثقفى، و سالم مولى أبى حذيفة، حتى صاروا الى باب على (ع)، فنادى:
يا فاطمة بنت رسول الله، أخرجى من اعتصم ببيتك ليبايع، و يدخل فيما دخل فيه المسلمون، و الا والله أضرمت عليهم نارا.. فى حديث مشهور
[ كتاب الجمل: ص 117 و 118.]
12- لقد نسب الكنجى الى المفيد و ابن قتيبة قولهما بسقوط الجنين محسن، قال الكنجى عن الشخى المفيد:
«.. و زاد على الجمهور: ان فاطمة (ع) أسقطت بعد النبى ذكرا. و كان سماه رسول الله (ص) محسنا.
و هذا شى ء لم يوجد عند أحد من أهل النقل الا عند ابن قتيبة»
[ كفاية الطالب: ص 413.]
ولكن ما نذكره فى هذه الفصول يدل على عدم صحة و عدم دقة عبارته الاخيرة، فهو موجود فى عشرات المصادر و المراجع.
13- و قال الشيخ المفيد:
«و لم يحضر دفن رسول الله كثير من الناس لما جرى بين المهاجرين و الانصار من التشاجر فى أمر الخلافة. وفات أكثرهم الصلاة عليه.
و أصبحت فاطمة تنادى: واسوء صباحاه.
فسمعها الخليفة الثانى فقال لها:
«ان صباحك لصباح سوء»
[ الارشاد للمفيد: ج 1 ص 189.]
14- و قال المفيد: قال حدثنا ابوجعفر محمد بن على بن الحسين، قال: حدثنا ابى، قال: حدثنا احمد بن ادريس قال: محمد بن عبد الجبار عن القاسم بن محمد الرازى عن على بن الهرمزان عن على بن الحسين بن على، عن ابيه الحسين (ع) قال:
لما مرضت فاطمة بنت النبى (ص) وصت الى على (ع) ان يكتم
أمرها، و يخفى خبرها، و لا يؤذن أحد بمرضها، ففعل ذلك و كان يمرضها بنفسه، و تعينه على ذلك اسماء بنت عميس رحمهاالله على استسرار بذلك كما وصت به.
فلما حضرتها الوفاة وصت أميرالمؤمنين (ع) ان يتولى أمرها و يدفنها ليلا و يعفى قبرها. فتولى ذلك أميرالمؤمنين (ع) و دفنها و عفى موضع قبرها..
[ الامالى للشيخ المفيد: ص 172 و 173 المطبوع فى النجف الاشراف، العراق «المطبعة الحيدرية».]
15- و روى المفيد، و العياشى عن عمرو بن أبى المقدام، عن أبيه، عن جده، قال:
«ما أتى على على (ع) يوم قط أعظم من يومين أتياه، فأما أول يوم، فاليوم الذى قبض فيه رسول الله (ص).
و أما اليوم الثانى، فوالله، انى لجالس فى سقيفة بن ساعدة، عن يمين أبى بكر، و الناس يبايعونه، اذ قال له عمر: يا هذا، لم تصنع شيئا اذا لم يبايعك على، فابعث اليه حتى يأتيك فيبايعك.
قال: فبعث قنفذا، فقال له: أجب خليفة رسول الله (ص)...».
الى أن تقول الرواية:
«.. فقال عمر: قم الى الرجل.
فقام أبوبكر، و عمر، و عثمان، و خالد بن الوليد، و المغيرة بن شعبة، و أبوعبيدة الجراح، و سالم مولى أبى حذيفة، و قمت معهم
و ظنت فاطمة (ع): أنه لا تدخل يتها الا باذنها، فأجافت
الباب و أغلقته.
فلما انتهوا الى الباب ضرب عمر الباب برجله فكسره- و كان من سعف- فدخلوا على على (ع)، و أخرجوه ملببا»
[ الاختصاص: ص 185 و 186، و تفسير العياشى: ج 2 ص 66 و 67، و بحارالانوار: ج 28، ص 227 و 228، و البرهان فى تفسير القرآن: ج 2 ص 93، و راجع: مرآة العقول: ج 5 ص 320.]
16- و قال محمد بن جرير بن رستم الطبرى:
«حدث الواقدى قال: حدثنا ابن أبى حنيفة، عن داود بن الحصين قال: غضب رجال من المهاجرين و الانصار فى بيعة أبى بكر.
و قالوا: عن غير مشورة و لا رضى منا، و غضب على و الزبير، و دخلا بيت فاطمة، و تخلفا عن البيعة، فجاءهم عمر فى عصابة فيهم أسد بن حصين، و سلمة بن أسلم بن جريش الاشهلى، فصاح عمر: أخرجوا، أو لنحرقنها عليكم. فأبوا أن يخرجوا، فصاحت بهم فاطمة و ناشدتهم الله، فأمر عمر سلمة بن أسلم، فدخل عليهما، و أخذ سيف أحدهما فضرب به الجدار حتى كسره. ثم أخرجهما يسوقهما حتى بايعا.
17- قال: و أخبرنى اسحق بن ابراهيم قال: أخبرنا سلمة بن الفضل، عن محمد بن اسحق، عن عبدالله ابن أعين، عن حرب بن أبى الاسود الدؤلى، قال: بعثنى أبى الى جندب بن عبدالله البجلى، أسأله عما حضر من أبى بكر و عمر مع على، حيث دعواه الى البيعة.
قال: أخذاها من على.
قال: فكتب اليه: لست أسألك عن رأيك. أكتب لى بما