بسم الله الرحمن الرحيم
( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون )
القرآن الكريم - سورة الأنبياء- آيه 105
هذا ما ألقاه سماحة الحجة العلامة الشيخ مهدي الآصفي
في مؤتمر الإمام المهدي "عج" والمحاضرة لم تتم كما نوه هو بذلك " حفظه الله " .
الانقلاب الكوني الشامل الذي يشير إليه القرآن في أكثر من موقع :
يقول تعالى : ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنّن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدّلنهم من بعد خوفهم أمنا ) .
ويقول تعالى : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكّن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ) . القصص 5 - 6 .
ويقول تعالى : ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) .
ويتم هذا الانقلاب عندما يتحكم المستكبرون في حياة الناس ويستضعفون عباد الله ويسلبون الناس قيمهم وعقولهم وضمائرهم ويشيعون الفساد في حياتهم ، وتصل البشرية إلى طريق مسدود ، عندئذ تتدخل الإرادة الإلهية ، وتحوّل القوة والسلطان من أيدي الظالمين المستكبرين إلى أيدي الصالحين المستضعفين .
وقد تكرر هذا الانقلاب الكوني في التاريخ ، ومن ذلك ما حدث في تاريخ بني إسرائيل عندما استكبر فرعون وأفسد في الأرض .
يقول تعالى : ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين ).
وهذه هي الحتمية الاولى ، وهي انقلاب القوة من المستكبرين الظالمين إلى المستضعفين الصالحين ، وهو انقلاب شامل في القيم والمواقع والقوة والسيادة ، وهي سنة من سنن الله الحتمية .
إن الذي يقود هذا الانقلاب الكوني الشامل ، هو المهدي من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وقدر وردت في ذلك روايات صحيحة بلغت حدّ التواتر .
وهذه هي القضية الثانية التي يقرّرها الحديث النبوي ، ويتفق عليها المسلمون .كما كانت القضية الاولى حكم القرآن الشريف وليس في هذا شك ولا ذاك .
وقد بلغت أحاديث المهدي عجل الله فرجه الشريف حدّاً لا مكان للتشكيك فيه ، ولسنا نريد أن ندخل هذا البحث ولا البحث السابق عليه .
أن المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف الذي اخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي عليهم السلام ، ولد سنة 255 هـ . بسامراء ، ثم غيّبه الله تعالى ، وهو الذي يرسله الله حيث يشاء لإنقاذ الناس من الظلم ، وإزالة الشرك من على وجه الأرض ، وتقرير التوحيد وعبودية الإنسان لله ، وتحكيم شريعة الله وحدوده في حياة الناس . وهو الذي يقود هذا الانقلاب الكوني الشامل الواسع ، في انتقال القوة من الطبقة المترفة المستكبرة الفاسدة إلى الطبقة الصالحة المستضعفة ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ).
وقد تواترت الرواية عن أهل البيت عليهم السلام بان المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف الذي بشّر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم هو ابن الحسن العسكري ، والثاني عشر من أهل البيت عليهم السلام .
وحديثنا اليوم يتركز حول هذه النقطة بالذات .
ومخاطبنا في هذا البحث أولئك الذين يؤمنون بحجية حديث أهل البيت عليهم السلام ، ويبحثون عن أدلة كافية وواضحة وصريحة في الإثبات العلمي لما يدعيه الإمامية من تعيين وتشخيص المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف .
فان الاختلاف بين الشيعة الأمامية وبين سائر الفرق الإسلامية ليس في أصل قضية ( المهدوية ) . فان المسلمين مجمعون - إلاّ من شذّ منهم - في الإيمان بأن الله تعالى قد إدّخر المهدي عجل الله فرجه الشريف من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لإنقاذ البشرية وللانقلاب الكوني الكبير في حياة الناس … ليس في ذلك شك والروايات النبوية في ذلك صحيحة ومتواترة ، وإنما الخلاف بين الشيعة الأمامية وغيرهم من المسلمين في التشخيص والتعيين فقط .
فان الشيعة الأمامية يذهبون قولا واحدا إلى أن الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف هو محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي المولود سنة 255 هـ . وقد غيّبه الله تعالى لحكمة يعرفها ، وهو الذي ادّخره الله تعالى لنجاة البشرية ، وبشّر به الأنبياء والكتب الإلهية من قبل ، بينما يذهب الآخرون إلى أن المهدي الذي بشر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يولد بعد ، أو ولد في عهد قريب .
والأدلة التي نستدل بها على إثبات عقيدة الإمامية في تشخيص وتعيين الإمام المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف على طائفتين ، الطائفة الأولى : هي الروايات العامة التي لا تخص الإمام عجل الله فرجه إلاّ أنها تنطبق بصورة قهرية على عقيدة الأمامية في المهدي عجل الله فرجه الشريف ، ولا نعرف توجيها ولا تفسيرا لها إذا أسقطنا من حسابنا عقيدة الإمامية في هذا الموضوع ، وهذه الروايات صحيحة بالتأكيد وبعضها بالغ حد التواتر في المصادر الإمامية من ناحية رجال السند في مختلف طبقاته ولا مجال للمناقشة فيها من حيث الإسناد . والإيمان بصحة هذه الأحاديث يؤدي إلى الإثبات العلمي والقطعي لعقيدة الإمامية في تشخيص وتعيين الإمام المنتظر عجل الله فرجه ، وذلك بسبب تطابقها اولا مع ما هو المعروف عند الإمامية - كما سوف نرى ذلك إن شاء الله - ولانتفاء حالة أخرى تصلح أن تكون مصداقا وتفسيرا لهذه الأحاديث ثانيا .
ونتيجة هاتين النقطتين ( المطابقة والانحصار) ، هي التطبيق القهري والحتمي لهذه الأحاديث على عقيدة الأمامية في تشخيص الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف .
وأول حديث نعتمده في هذا المجال حديث الثقلين ، الذي صحّ واستفاضت وتواترت روايته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، واجمع على تصحيحه المحدثون من كل الفرق الإسلامية ، وليس من علماء المسلمين ممّن يحترم علمه يشك في صحة هذا الحديث وصدوره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم .
ويكفي أن يكون من رواة هذا الحديث مسلم في الصحيح ، والترمذي والدارمي في السنن ، واحمد بن حنبل في مواضع عديدة وكثيرة من المسند ، والنسائي في الخصائص ، والحاكم في المستدرك ، وأبو داود وابن ماجة في السنن ، وغيرهم مما لا يمكن إحصاؤهم في هذا المقال …وطرقه في كتب الأمامية اكثر من أن يحصى في هذه الوجيزة .
ولفظ الحديث ، كما في اغلب هذه المصادر :
( أيها الناس إنما أنا بشر أوشك أن ادعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين ، وهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فلا تسبقوهم فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فانهم اعلم منكم ) .
1 _ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يترك من بعده خليفتين هما القرآن وأهل بيته لهداية الأمة .
2 _ وانهما باقيان لن يفترقا عن بعض إلى يوم القيامة .
3 _ والتمسك بهما معاً يعصم الأمّة من الضلال .
وإذا ضممنا النقطة الأولى ( إني تارك فيكم الثقلين ) إلى النقطة الثانية ( وانهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض) ،استنتجنا أصلا هاماً وهو وجود حجّة وإمام من أهل البيت عليهم السلام في كل زمان لا يفترق عن كتاب الله قط .
يقول ابن حجر في ( الصواعق) : ( وفي أحاديث الحث على التمسك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسك إلى يوم القيامة ، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك ، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض ، كما يأتي، ويشهد لذلك الخبر السابق في كل خلف من أمتّي عدول من أهل بيتي ) (1) .
ولا شك في دلالة الحديث على بقاء حجة من أهل البيت إماماً للناس…
وليس لهذا الحديث تفسير أو تطبيق غير ما يعتقده الأمامية من وجود الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف وحياته وبقاؤه وعصمته وإمامته على المسلمين .
وإذا أسقطنا هذا الأمر عن الاعتبار ، لم نجد تطبيقا وتفسيرا له قط في هذه القرون من حياة المسلمين . فليس في المسلمين اليوم ، ولا قبل اليوم من يدّعي أنه أعلم الناس ، وان على الناس أن يتّبعوه ولا يتقدّموه ، وأن يتعلّموا منه ولا يعلّموه ، كما في نص الحديث الشريف الذي لا يختلف فيه من يعبأ بقوله ورأيه من علماء المسلمين .
وإذا قيل فما نفع إمام غائب عن الناس للناس ؟
نقول إنّ الله تعالى لم يطلعنا من أسرار غيبه إلّا على القليل ، وما أخفى الله علمه عنّا كثير، وما عرّفنا منه قليل . وقد أخبرنا الصادق الأمين صلى الله عليه وآله وسلّم ببقاء حجة من أهل بيته في الناس على وجه الأرض إلى يوم القيامة ، فنتعبّد بحديثه ، ونحيل علم ما لا نعلم إلى من يعلم …وليس كل ما في شريعة الله مفهوم معروف لنا ، وما يخفى علينا من أسرار دين الله اكثر مما نعلم بأضعاف مضاعفة .
رواه مسلم في الصحيح في كتاب الامارة / باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن 6 / 22 ، ولفظ الحديث : عن رسول الله ص : ( من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ) .
وروى البخاري في الصحيح عن رسول الله ص : ( من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية ) صحيح البخاري كتاب الفتن / الباب الثاني .
ورواه احمد في المسند عن رسول الله ص ولفظ الحديث : ( من مات وليس عليه طاعة مات ميتة جاهلية ) مسند احمد 3/416 .
ورواه الطيالسي في المسند ص 259 (ط حيدر آباد ) عن رسول الله ص : ( من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ) .
ورواه الحاكم في المستدرك ولفظ الحديث : ( من مات وليس عليه إمام جماعة فإنّ موتته جاهلية ) وصححه الحاكم على شرط الشيخين البخاري ومسلم .
ورواه الذهبي في تلخيص المستدرك 1/77 وصححه على شرط الشيخين رغم تشدّد الذهبي في تصحيح أحاديث المستدرك .
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد بأسانيد كثيرة وألفاظ عديدة 5 / 218 - 225 .
وطرق الحديث وألفاظه كثيرة يبلغ حدّ الاستفاضة . وقد علمنا أن بعضها صحيح كما شهد به الذهبي .
وروى الحديث ثقاة المحدّثين من أصحابنا الأمامية وطرقهم إليه كثيرة وطائفة منها صحيحة ، وهي في الجملة قريبة من التواتر وقد عقد المجلسي رحمه الله له بابا في بحار الأنوار ، روى فيه أربعين حديثا في هذا المعنى بألفاظ متقاربة . بحار الأنوار الجزء 23 / 76 - 93 تحت عنوان ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) . ونذكر مثالا طريقين :
الطريق الأول : رواية البرقي في المحاسن بسند معتبر عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : ( أن الأرض لا تصلح إلاّ بإمام . ومن مات ولم يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ) (2) . المحاسن للبرقي ص 153 - 154 ، بحار الأنوار 23 / 76 . والسند معتبر .
الطريق الثاني روى الكشي في ( الرجال ) 266 - 267 : عن بن احمد عن صفوان عن أبى اليسع قال : ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام حدّثني عن دعائم الإسلام ، فقال : شهادة أن لا إله إلاّ الله … إلى أن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : من مات ولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) (3) .
ولسنا نحتاج إلى توثيق السند في أمثال هذه الروايات التي تظافرت روايتها عن الطريقين والروايات واضحة الدلالات صحيحة السند ، وهي تدلّ على الحقائق التالية :
1 _ أن الأرض لا تصلح إلا بإمام .
2 _ ولا بد في كل زمان أن يعرف الإنسان إمام زمانه .
3 _ ولا بد من طاعة الإمام لكل أحد في كل زمان ولا يجوز لأحد أن يخرج عن طاعة إمام زمانه .
4 _ ومن يموت وليس عليه إمام يموت ميتة جاهلية .
5 _ ومن يموت وليس في عنقه بيعة لإمام يموت ميتة جاهلية .
وهذه الحقائق تثبت جميعا أن سنّة الله تعالى قد اقتضت وجود إمام عدل في كل زمان ، قد فرض الله طاعته على الناس ، ولم يأذن بالخروج عن طاعته فهي حكم شرعي يستبطن تقريراً لسنة إلهية . أمّا الحكم فهو وجوب طاعة الإمام في كل زمان وأما السنّة الإلهية التي يستبطنها هذا الحكم فهو وجود إمام في كل زمان ، وإلاّ فكيف يطلب الله تعالى من الإنسان أن لا يموت إلاّ وهو في طاعة إمام زمانه ، وعلى عهدته البيعة له ، غير ناقض ولا ناكث لها ، وغير جاهل به ، فإذا خرج عن الطاعة أو نكث البيعة أو جهل به مات ميتة جاهلية، بهذه الدرجة من التغليظ والتشديد في الجزاء والعقوبة .
ومن نافلة القول أن نقول أن الحكام الظلمة وأئمة الكفر والذين يحاربون الله ورسوله لا يكونون مصداقاً للإمام الذي يفرض الله على الناس معرفته وطاعته في كل زمان وقد قال تعالى : ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار ) هود / 113 .
( ولا تطيعوا أمر المسرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) الشعراء / 151 - 152 .
( ويريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ) الكهف / 28 .
وبعد هذا الإيضاح نقول إن التفسير الوحيد لهذه الروايات هو ما تعرفه الأمامية وتعتقد به من استمرار الإمامة في أهل البيت عليهم السلام ، منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى اليوم ، وعدم انقطاع الإمامة بوفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام . وأي فرض آخر لا يستطيع أن يقدّم تفسيراً معقولا ً لهذه الروايات ، الاّ أن نقول بوجوب الطاعة لكل برّ وفاجر ، كما يقول به بعض الناس .
ولسنا نعتقد أن الطاعة التي تساوي الإسلام ، ويساوي خلافها الجاهلية هي طاعة هؤلاء الذين امرنا الله تعالى بعدم الركون إليهم والكفر بهم .
روى هذا الحديث من أصحابنا الإمامية محدّثون ثقاة مثل المحمدين الثلاثة الكليني والصدوق وأبى جعفر الطوسي رحمهم الله بطرق كثيرة تبلغ حدّ التواتر في مختلف طبقات إسناده وقد عقد له الكليني محمد بن يعقوب في كتاب الحجة من الكافي بابا بهذا العنوان ( ج 1 ص 178 ) .
كما عقد العلامة المجلسي في بحار الأنوار بابا بعنوان ( الاضطرار إلى الحجة ، وان الأرض لا تخلو من حجة ) وهو الباب الأول من المجلد السابع من الكتاب ذكر فيه 118 حديثاً بهذا المضمون ، وفيما يلي نذكر نماذج من هذه الروايات :
ذكر الكليني في الكافي / كتاب الحجة / باب أن الأرض لا تخلو من حجة : ( عن عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن عمير عن الحسين بن أبي العلاء قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : تكون الأرض ليس فيها إمام ؟ قال : لا . قلت : يكون إمامان ؟ قال : إلاّ وأحدهما صامت ) أصول الكافي 1 / 178
والسند تام لا يتطرق إليه الشك .
وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم عن اسحق بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ،قال سمعته يقول إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها إمام ) (4) . الكافي 1 / 178. والسند تام والرواية معتبرة كذلك .
وروى الكليني عن محمد بن يحيى عن احمد بن محمد عن علي بن الحكم عن ربيع بن محمد المسلّي عن عبد الله بن سليمان العامري عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ( ما زالت الأرض إلاّ ولله فيها الحجة ) الكافي 1 / 178. والسند تام والرواية معتبرة أيضا . ورواة الحديث ثقاة (5) .
وروى الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس ابن مسكان عن أبي بصير عن أحدهما عليهما السلام قال : قال ( إن الله لم يدع الأرض بغير عالم ) الكافي 1 / 178 .
والسند تام والرواية معتبرة كذلك .
وروى الكليني عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشّاء ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام : ( هل تبقى الأرض بغير إمام ؟ قال : لا . قلت إنّا نروي أنّها لا تبقى إلاّ أن يسخط الله عز وجل على العباد ؟ قال: لا تبقى إذاً لساخت ) (6) . الكافي 1 /179 . والسند تام والرواية معتبرة .
وروى الشريف الرضي عن أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ماله علاقة بذلك . قال عليه السلام : ( لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً ، وإما خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته ) .
هذه طائفة واسعة من الروايات تبلغ حد التواتر وجملة منها تامّة من حيث السند ، كما أشرنا إلى بعضها من كتاب الكافي ، وهي صريحة بانّ الأرض لا تخلو من حجة لله ظاهراً أو مغموراً ، والحجة في كلمات أهل البيت عليهم السلام مصطلح معروف لمن يألف كلماتهم عليهم السلام ، وهذه الأحاديث لا تحتاج إلى تعليق كثير وتأمّل وتوقف ، فهي صريحة في ضرورة وجود الإمام في كل زمان ، ولا تفسير لهذه الروايات بغير ما تعرفه الشيعة الأمامية وتعتقده من وجود الإمام وحياته وغيبته ، وإذا أسقطنا هذا الأمر من الاعتبار فلا نجد تفسيراً لهذه الروايات ، البتّة ، وهي كثيرة ، بالغة حدّ التواتر .
روى البخاري في الصحيح كتاب الاحكام عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي ص يقول : يكون اثنا عشر أميراً، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : انه قال كلّهم من قريش .
وروى مسلم في الصحيح كتاب الامارة باب أن الناس تبع لقريش ، عن جابر بن سمرة قال: ( سمعت النبي ص يقول لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً ، ثم تكلّم النبي ص بكلمة خفيت عليّ فسألت أبي : ماذا قال رسول الله ص ، فقال : كلّهم من قريش ) (7) .
وروى مسلم في الصحيح كتاب الامارة باب أن الناس تبع لقريش عن جابر بن سمرة يقول : ( سمعت رسول الله ص يقول : لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثنى عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها ، فقلت لأبي ما قال ، فقال :كلّهم من قريش ) (8) .
وروى أيضا مسلم في الصحيح في نفس الكتاب ونفس الباب عن جابر بن سمرة قال دخلت مع أبي على النبي فسمعته يقول : ( إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنى عشر خليفة ، ثم تكلّم بكلام خفي عليّ ، فقلت لأبي ما قال: قال : كلّهم من قريش ) (9) .
وروى الترمذي في السنن كتاب الفتن باب ما جاء في الخلفاء عن جابر بن سمرة قال: ( قال رسول الله ص : يكون من بعدي اثنا عشر أميرا ً ) ثم عقّب على ذلك بقوله ، قال أبو عيسى هذا حديث صحيح (10) .
وروى أبو داود في السنن عن جابر بن سمرة قال: ( سمعت رسول الله ص : لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ، فكبّر النّاس ، وضجّوا ، ثم قال كلمة خفيت عليّ ، قلت لأبي : يا أبه ما قال ؟ قال : كلّهم من قريش ) (11) .
وروى الحاكم في المستدرك في كتاب معرفة الصحابة عن جابر قال : ( كنت عند رسول الله ص فسمعته يقول : لا يزال أمر هذه الأمّة ظاهراً حتى يقوم اثنا عشر خليفة ) .
وروى احمد بن حنبل في المسند هذا الحديث عن جابر من أربع وثلاثين طريقاً ج 5 / ص 86و87و89و90و92و93و94و95و96و97و98و99و100و101و106و107و108 . وروى أبو عوانة هذا الحديث في مسنده 4 / 396و398و399 .
وابن كثير في البداية والنهاية 6 / 248 ، والطبراني في المعجم الكبير 94و97 ، والمناوي في كنوز الحقائق 208 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء 61 ، والعسقلاني في فتح الباري 13 / 179 ، والبخاري في التاريخ الكبير 2 / 158 ، والخطيب في تاريخ بغداد 14 /353 ، والعيني في شرح البخاري 24 / 281 ، والحافظ الحسكاني في شواهد التنزيل 1 /455 ، والقسطلاني في إرشاد الساري 10 / 328 ، وغيرهم من المحدّثين والحفّاظ .
وروى هذا الحديث أصحابنا الأمامية بطرق كثيرة لا نجد ضرورة في سردها على نحو التفصيل أو الإجمال .
1 _ لا إشكال في أن حديث الاثنى عشر خليفة قد صدر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، فقد رواها الفريقان بطرق كثيرة ، ويكفي أن البخاري ومسلم من السنّة والكليني والصدوق من الشيعة من رواة هذا الحديث .
2 _ والأحاديث ظاهر في أن الأمراء المذكورين في هذه الرواية أمراء الحق ليس أئمة الظلم والجور من أمثال معاوية ويزيد والوليد والمتوكل واضرابهم .
3 _ وأن عدتهم اثنا عشر عدد نقباء بني إسرائيل .
يقول تعالى : ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) المائدة / 12 .
4 _ ولا يخلو منهم زمان .
ولا نعرف لهذه الأحاديث بمجموعها تطبيقاً قط غير الأئمة الاثنى عشر المعروفين عند الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ، وآخرهم المهدي المنتظر عليه السلام وعج وهو الإمام الثاني عشر .
ولو رأينا التمحل الذي يتمحله علماء كبار من أمثال السيوطي في ترتيب الاثنى عشر أميراً بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، لاطمأن القلب إلى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لم يرد غير الأئمة الاثنى عشر من أهل بيته الأبرار الطاهرين عليهم السلام . ولقد أحسن محمود أبو ريه في التعليق على التوجيه الذي وجّه به السيوطي هذه الرواية ، فقال عنه : ( ورحم الله من قال عن السيوطي انه حاطب ليل ) .
فلا نعرف تطبيقاً قط ينطبق بالتمام وبدقة على هذه الروايات في غير عقيدة الشيعة الإمامية وبضمنها ولادة الإمام عجل الله فرجه الشريف وغيبته . ولو أسقطنا هذا الواقع من الحساب لم يبق تفسيراً لهذه الروايات التي هي من أنباء الغيب التي أخبر عنها وبشّر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم .
هذه أربع طوائف من الروايات ، لا يتطرق إليها الشك من حيث السند ، ولا من حيث الدلالة في معانيها ومضامينها .
وتنطبق على ما تعتقده الإمامية وتعرفه من إمامة الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت عليهم السلام وولادة الإمام الثاني عشر وغيبته وظهوره بعد ذلك إنطباقاً تامّاً .
وينحصر الإنطباق عليهم ، فلا نعرف لهذه الروايات تطبيقاً آخر في تاريخنا المعاصر والقديم غيرهم . فلم يدّع غيرهم لنفسه العصمة ، ولم يقل غيرهم أنّه حجة الله على الخلق ، وإمام ، طاعته هدى ودين ، ومخالفته ضلال وجاهلية ، ولم يدّع غيرهم أنّهم هم المقصودون بالأئمة الاثنى عشر ، وأنّهم هم الثقل الآخر المقارن للقرآن ، المذكور في حديث الثقلين .
وهذا المعنى بالضرورة يؤدي إلى الإنطباق القهري لهذه الروايات عليهم عليهم السلام .
1 _ يقول أهل البيت عليهم السلام انهم هم حجج الله تعالى على خلقه المنصوص عليهم من جانب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وأنّهم هم الثقل الأصغر الذي قرنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بالقرآن ، وأنّهم هم الأئمة الاثنى عشر الذين أخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وطاعتهم من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلّم ، ومخالفتهم جاهلية وضلال ، وهم حلقات متصلة من وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم إلى أن تقوم الساعة ، لم تخل منهم الأرض ولم يخل منهم زمان ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم .
2 _ ولم يحص عليهم أحد تناقضاً ومخالفة في القول والعمل ، ولم ينتقصهم أحد ممّن يعبأ بقوله ولم يتجرأ أحد على النيل منهم من علماء المسلمين … وهؤلاء الأبرار لم يكونوا في زوايا الإهمال والنسيان ، وإنما كانوا يعيشون في حواضر المسلمين وفي أوساطهم ، وقد تلقى عنهم كبار فقهاء المسلمين العلم والفقه .
3 _ ولا نعرف في تاريخ المسلمين من يدعي لنفسه هذا الادعاءات من العصمة والحجية وإمامة الدين والدنيا وأنّه لا يخلو منهم زمان ولا تخلو الأرض من حجة منهم ، وانه من الأئمة الاثنا عشر الذين بشّر وأخبر عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم … لا نعرف أحد يقول هذه المقالة غيرهم .
هذه النقاط الثلاثة إذا ضممناها إلى الطوائف الأربعة من الروايات المتقدمة أنتجت بالضرورة الإثبات اليقيني العلمي لمذهب أهل البيت عليهم السلام .
لو أنّ أحداً عثر على مال في دار معين لا يدخله غير نفر معدود ، ولا يدخلهم غيرهم ، فادعاه أحدهم ، لا يعرف الناس له تناقضاً أو كذباً أو خيانة في القول والعمل ، ولم يدّعه غيره ممن يتردد على هذه الدار من هذا النفر المعدود ، فبالضرورة يحكم القاضي بعائدية المال إلى المدّعي مع عدم وجود إدّعاء معارض ، ومع انتفاء امارات الكذب عن المدّعي ، وليس يحتاج إلى بيّنة أو يمين أو وسيلة أخرى من وسائل الإثبات القضائي بالضرورة .
وواقع أهل البيت عليهم السلام في التاريخ الإسلامي بالقياس إلى الأخبار الصحيحة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، يشبه إلى حدّ ما هذا المثال القضائي .
ولذلك قلنا ان انطباق هذه الروايات على الأئمة الاثنى عشر من أهل البيت عليهم السلام ومنهم الإمام الثاني عشر الغائب المنتظر ، إنطباق قطعي وضروري ولا يحتاج إلى جهد علمي بقدر ما يحتاج إلى رؤية صافية غير مثقلة بالشكوك والأهواء والعصبيات أعاذنا الله منها .