( 59)
وعجزَ عنِ القتالِ ، فانبهرَ وأَسندَ ظهرَه إِلى جنب تلكَ الدّارِ، فأَعادَ ابنُ الأَشعثِ عليه القولَ : لكَ الأَمانُ ، فقالَ : آمِنٌ أَنا؟ قالَ : نعم . فقالَ للقوم الّذينَ معَه : لي (1) الأمانُ ؟ فقالَ القومُ له : نعم ، إلاّ عبيدَاللّه بن العبّاسَِ السُّلميّ فإِنّه قالَ : لا ناقةَ لي في هذا ولا جَمل ، وتنحّى؟ فقالَ مسلمٌ : أَما لو لم تُؤَمِّنوني ما وضعتُ يدي في أَيديكم .
وأُتِيَ ببغلةٍ فحُمِلَ عليها، واجتمعوا حولَه وانتزعوا سيفَه ، فكأَنّه عندَ ذلكَ أيِسَ (2) من نفسهِ ودمعتْ عيناه ، ثمّ قالَ : هذا أوّلُ الغدرِ، قالَ له محمّدُ بنُ الأشعثِ : أَرجوألاّ يكونَ عليكَ باْسٌ ، فقالَ : وما هوإلاّ الرّجاءُ ، أَينَ أمانُكم ؟ إِنّا للهِّ وِانّا إِليه راجعونَ ! وبكى ، فقالَ له عبيدُاللّه ابن العبّاسِ السُّلمي :إنّ من (3) يَطلبُ مثلَ الّذي تطلبُ ، إِذا نزلَ به مثلُ الّذي نزلَ بكَ لم يبك . قالَ : إنِّي واللّهِ ما لنفسي بكيت ، ولا لها منَ القتل أرثي ، ِوان كنتُ لم أحبّ لها طرفةَ عينٍ تلفاً، ولكنْ (4) أبكي لأهلي المُقبِلينَ إِليّ ، أَبكي للحسينِ عليه السّلامُ والِ الحسين .
ثمّ أقبلَ على محمّدِ بنِ الأشعثِ فقالَ : يا عبدَاللّهِ إِنِّي أَراكَ واللّهِ ستعجزُ عن أَماني ، فهل عندَكَ خيرٌ ؟ تَستطيعُ أَن تَبعثَ من عندِكَ رجلاً على لساني أَن يُبلِّغَ حسيناً؟ فإنِّي لا أَراه إِلاّ قد خرجَ إِليكمُ اليومَ مقبلاً أو هو خارجٌ غداً وأَهل بيتهِ ، ويقولَ له : إِنّ ابنَ عقيلٍ بعثَني إِليكَ وهو أسيرٌ في أيدي القوم ، لا يرى أَنّه (5) يمسي حتّى يُقتَل ، وهو يقولُ :
(1) في هامش "ش " : الّي.
(2) في هامش "ش " و"م " : أحس .
(3) في هامش "ش " و"م ": ان الذي .
(4)في هامش "ش " و"م ": لكني .
(5)في هامش "ش " : ان .