يهدف اتفاق الزراعة لمنظمة التجارة العالمية الذي تم إبرامه في إطار جولة <أورغواي> التفاوضية (1986م ـ 1993م)، حسبما أبانتديباجته إلى إنشاء نظام للتجارة في المنتجات الزراعية منصف ومستند إلى قوى السوق، ومن ثمَّ التوصل إلى التزامات محددة وملزمة في مجالات: الوصول إلى الأسواق، والدعمالمحلي، والمنافسة في التصدير· وقد وضع اتفاق الزراعة أربعة عناصر رئيسة للإصلاح الزراعي في عالم التجارة الحرة هي:
ثانياً: تخفيض الحواجز الجمركية بنسبة (36%) على أساس متوسط بسيط غير مرجح (24% في حال البلدان النامية) وعلى أن يكون الحد الأدنىللتخفيض (15%) لكل منتج من المنتجات (10% في حال البلدان النامية) وللبلدان النامية الخيار في أن تقدم حدوداً عليا مثبتة للتعريفات الجمركية كبديل عن التزامها بالتخفيض، أماالبلدان الأقل نمواً فلا تقع على كواهلها سوى التزامات بتثبيت تعريفاتها الجمركية·
ثالثاً: تخفيض مستوى الدعم المقدم للإنتاج الزراعي سواء اتخذ شكل دعم لسعر السوق،أو مدفوعات مباشرة للمنتجين، أو دعم للمدخلات، ويلزم أن تقدر الدول الأعضاء تدابير الدعم الداخلي كمياً باستخدام (المقياس الكلي للدعم) استناداً إلى فترة الأساس (1986 ـ1988م) ثم تشرع بعد ذلك في إجراء تخفيضات بنسبة (20%) ابتداء من العام 1995م (13% في حال البلدان النامية)·
رابعاً: تخفيض مستوى دعم الصادرات الزراعية بنسبة (21%) من حيث حجمالصادرات المدعمة، وتخفيض بنسبة (36%) من مصروفات الميزانية على هذه الصادرات (14% و24% على التوالي في حال البلدان النامية) مع عدم جواز تقديم الدعم لأي منتجات جديدة طالما لمتكن قد أدرجت في قائمة الصادرات المدعمة لفترة الأساس (1986م ـ 1990م)·
وأكدت ديباجة اتفاق الزراعة حرص أعضاء منظمة التجارة العالمية على أن تأخذ في <الاعتبار التام فيأثناء تنفيذ التزاماتها فيما يتعلق بالوصول إلى الأسواق والحاجات والأوضاع الخاصة للبلدان النامية الأعضاء عن طريق تسهيل زيادة تحسين فرص وشروط الوصول إلى الأسواقبالنسبة للمنتجات الزراعية ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لهذه البلدان الأعضاء، بما في ذلك تحقيق أقصى ما يمكن من تحرير للتجارة في المنتجات الاستوائية حسب الاتفاق الذيتم التوصل إليه في أثناء الاستعراض النصفي، وبالنسبة للمنتجات ذات الأهمية الخاصة لتنويع الإنتاج بما يبعده عن زراعة المحاصيل غير المشروعة المنتجة للمخدرات···>واتساقاً مع التأكيدات التي حملتها ديباجة الاتفاق بكفالة معاملة خاصة وتمييزية للبلدان النامية والأقل نمواً، الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، فإن أحكاماً بشأنتلك المعاملة ضُمِنت في نصوص الاتفاق كاستثناء لصالح هذه البلدان لا يجوز لغيرها التمسك بها، وكمعالجات للتأثيرات السلبية المحتملة على أوضاعها التنموية عند تطبيقجزئياتها المتصلة بتجارة المنتجات الغذائية، وباستقراء ما أفرزه اتفاق الزراعة من قواعد حاكمة لسلوك البلدان النامية والأقل نمواً في تعاملاتها مع التجارة الزراعيةالدولية يمكن توقع أوجه استفادة للبلدان الإسلامية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية من النواحي التالية:
أطال الاتفاق المدى الزمني المحدد لتنفيذ الالتزامات الناجمة عنه في مجالات (النفاذ إلى الأسواق، والدعم المحلي، ودعم الصادرات الزراعية) إلى عشر سنواتبدلاً من ست سنوات، وقد تقرر هذا المدى الزمني الطويل (1995م ـ 2004م) للبلدان النامية التي يقل فيها متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي عن ألف دولار أميركي، ووفقاًلبيانات البنك الدولي عن النواتج القومية، فإن البلدان الإسلامية المندرجة في التصنيف المتقدم لعام 1996م من أعضاء منظمة التجارة العالمية الأصليين والمراقبين هي:الكاميرون، جمهورية مصر العربية، غينينا، أندونيسيا، المالديف، السنغال، سورينام، أذربيجان، قرغيزيا، جمهورية مقدونيا اليوغسلافية <ماسيدونيا>، جيبوتي، لبنان·أما البلدان الأقول نمولاً <وهي حسب تصنيف الأمم المتحدة التي يكون فيها نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي أقل من 500 دولار>، فمعفاة تماماً من الالتزامات الواردةفي الاتفاق مراعاة لظروفها الاقتصادية التي تقتضي تطبيق تدابير لا تتفق مع مبادئ وأحكام اتفاقات منظمة التجارة العالمية، ومنها بلدان إسلامية أعضاء هي: بنغلاديش، بنين،بوركينا فاسو، جمهورية إفريقيا الوسطى، تشاد، غامبيا، غينيا بيساو، مالي، موريتانيا، موازمبيق، النيجر، نيجيريا، باكستان، سيراليون، موريتانيا، يوغندا، ألبانيا،السودان، اليمن، البوسنة والهرسك·
أ ـ يوجب اتفاق الزراعة على البلدان النامية والأقل نمواً التوقف عن فرض القيود غير التعريفية علىتجارتها الزراعية مع العالم الخارجي، وتحويل ما كان متخذاً منها إلى رسوم جمركية، وهي وإن تساوت في الالتزام ذاته مع الدول المتقدمة، إلا أن الاتفاق أباح لها تقييدالاستيراد بصفة موقتة بتطبيق تدابير غير تعريفية على مستورداتها من المنتجات الزراعية التي تشكل نسباً رئيسة من غذائها الأساسي، ولكن شرط اتخاذ إجراءات تحريرية لتلكالتجارة في أثناء فترة التنفيذ التي تستمر عشر سنوات· وسوف تستفيد من هذا الاستثناء كثير من البلدان الإسلامية الأعضاء في منظمة التجارة العالمية وذلك لأن وارداتالمواد الغذائية تأتي في المرتبة الثانية من الواردات الإجمالية بمعدل (19%) طبقاً لأرقام العام 1989م للبلدان الإسلامية الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، بل إن هناكبلداناً إسلامية أعضاء في منظمة التجارة العالمية تجاوزت المعدل للعام نفسه، وكمثال تخطته غامبيا إلى (24%)، وبنغلاديش إلى (31%)، وبنين إلى (29%)، وجيبوتي والجزائر إلى (28%)،ومصر إلى (27%)، وسيراليون إلى (25%)·
ب ـ يلزم اتفاق الزراعة البلدان الإسلامية كغيرها من البلدان النامية بتثبيت تعريفاتها الجمركية على وارداتها الزراعية، وتخفيضهابمعدل يقل بنسبة الثلث عما التزمت به الدول المتقدمة فضلاً عن اتساع مدى التنفيذ، ونظراً لأن معظم المستوردات الزراعية للبلدان النامية قبل جولة <أورغواي> كانت نسبالبنود الجمركية المثبتة لها لا تتجاوز 17% مقارنة مع (58%)، و(81%) على التوالي بالنسبة للدول المتقدمة، ولذلك يمكن استنتاج أن التزامات البلدان الإسلامية في مجال النفاذ إلىالأسواق تكاد تقتصر على التحول من القيود غير التعريفية إلى الرسوم الجمركية وتثبيتها، والمثال على ذلك تنحصر التزامات كل من: البحرين، والكويت، وموريتانيا، وتونس بشأندخول الأسواق للمنتجات الزراعية على تثبيت التعريفات فقط، بينما تلتزم مصر بتحويل بعض التعريفات وبالتثبيت، وتلتزم كل من المغرب والإمارات العربية المتحدة بما يشابهمصر إضافة إلى تخفيضات في مقياس الدعم الإجمالي· وهكذا الحال بالنسبة للبلدان الإسلامية الأخرى، أما البلدان الأقل نمواً منها فهي معفاة كلية من تخفيض تعريفاتهاالجمركية على المنتجات الزراعية في مقابل التزامها بتثبيتها، ويمكن للبلدان الإسلامية عموماً الاستفادة من التزاماتها المحددة بالتحول من القيود غير التعريفية إلىالرسوم الجمركية والتثبيت من نواحي عدة أهمها:
1 ـ الاحتفاظ بمستوى حمائي مكافئ لتجارتها الزراعية يجنبها ولو ـ موقتاً ـ صدمات التأثيرات السلبية لتنفيذ الالتزاماتبمقتضى الاتفاق·
2 ـ ربط مستوى الأسعار المحلية للمنتجات الزراعية بالأسعار العالمية·
3 ـ الإسهام في تهيئة الأجواء المناسبة لتحقيق الاستقرار في التجارةالزراعية الدولية كنتيجة لوضوح وشفافية التدابير الجمركية المطبقة·
للبلدان الإسلامية أن تتمسك في مجال التزامات تخفيضالدعم المحلي باستثناءات وإعفاءات أرساها اتفاق الزراعة ارتكازاً على مراجعات الاستعراض النصفي في <مونتريال> بقصد تشجيع التنمية الزراعية في البلدان الناميةوالأقل نمواً، فمن إعفاءات الالتزام بتخفيض الدعم المحلي:
ب ـ الدعم المالي للمستلزمات الزراعية الذي يقدم للمنتجينالزراعيين من ذوي الدخل المنخفض أو المحدودي الموارد·
ج ـ إعانات تشجيع المنتجين الزراعيين على تنويع الإنتاج الزراعي بغرض البعد عن زراعة المحاصيل غير المشروعةالمنتجة للمخدرات·
د ـ الدعم المحلي المقدم لمنتج زراعي معين ولا يزيد على (10%) من القيمة الكلية لإنتاج العضو من أحد المنتجات الزراعية الأساسية خلال السنة·
هـ ـالدعم المحلي غير المرتبط بمنتج معين ولا يزيد على (10%) من قيمة الإنتاج الزراعي الكلي للعضو·
أما في حال زيادة قيمة الدعم المحلي عن نسبة (10%) من الإنتاج الزراعيالمحلي في البلدان الإسلامية النامية، فينخفض بنسبة (13.3%) من مستويات فترة الأساس (86 ـ 1988م) على مدى عشر سنوات، وهي في ذلك تحظى أيضاً بمعاملة تفضيلية مقارنة مع الدولالمتقدمة الملزمة بنسبة تخفيض تبلغ (20%) على مدى زمني قصير لا يتجاوز ست سنوات، ولا التزام على كاهل البلدان الإسلامية الأقل نمواً بتخفيض مستويات الدعم الزراعي المحلي·
يوجب اتفاق الزراعة على البلدان الإسلامية النامية أن تخفض الدعم المقدم لصادراتها الزراعية على مدى عشر سنواتبنسبة (24%) من حيث القيمة، وبنسبة (14%) من حيث الحجم، وهذه الالتزامات تقل بنسبة (12%)، و(7%) على التوالي عن ما التزمت به الدول المتقدمة مع ملاحظة أن البلدان الإسلامية الأقلنمواً معفاة من الالتزام بالتخفيض، وكاستثناء مما أوردته الفقرة الأولى من المادة التاسعة في اتفاق الزراعة المحددة لأنواع الدعم الذي تلتزم الدول الأعضاء في المنظمةالتجارة العالمية بتخفيضه بالنسب المقررة، يجوز للبلدان الإسلامية الأعضاء كغيرها من البلدان النامية بمقتضى الفقرة الثانية من المادة التاسعة في أي من السنواتالواقعة بين الأعوام 1996م ـ و1999م أن تقدم دعماً مالياً لصادراتها الزراعية>، بما لا يتجاوز مستويات الالتزامات السنوية المطابقة فيما يتعلق بالمنتجات أو مجموعةالمنتجات المحددة في الباب الرابع من الجدول الخاص بذلك المعنى· شرط ألا تكون المصروفات التي يخصصها البلد العضو في موازنته للدعم المالي للصادرات والكميات المستفيدةمن هذا الدعم عند نهاية فترة التنفيذ أكبر من (76%) و(86%) على التوالي من مستويات فترة الأساس للسنوات (86 ـ 1990)·
وإن للبلدان الإسلامية النامية خلال فترة التنفيذ (1995م ـ2004م) ألا تلتزم بالتعهد بالتزامات بشأن:
أ ـ <تقديم دعم مالي لتخفيض تكاليف تسويق صادرات المنتجات الزراعية (خلاف خدمات ترويج الصادرات والخدمات الاستشارية المتاحةعلى نطاق واسع) بما في ذلك تكاليف المناولة والتحسين وتكاليف التجهيز الأخرى، وتكاليف النقل والشحن الدوليين>·
ب ـ <رسوم النقل والشحن الداخليين على شحناتالصادرات، التي تدفعها أو تفرضها الحكومات، بشروط أفضل من الشروط الخاصة بالشحنات المحلية·
استشعر اتفاق الزراعة قسوة الآثار العكسية المحتملة لتحرير تجارة المنتجات الزراعية على البلدان النامية المستوردة للغذاء، وتخفيفاً لحدتها، أوردت بعض بنوده مجموعةمن الاستثناءات والتدابير كمعاملة خاصة وتفضيلية لهذه البلدان التي تدخل في حومتها جمهرة من البلدان الإسلامية وفي إمكانها أن تستفيد مما يلي:
أ ـ جواز فرض قيود غيرتعريفية استثناءً من الحظر المقرر بمقتضى الفقرة الثانية من المادة الرابعة من اتفاق الزراعة، على أي منتج خام زراعي يكون العنصر الأساسي الغالب في النظام الغذائيالتقليدي في أي من البلدان النامية الأعضاء·
ب ـ الالتزام المقرر على البلدان الأعضاء المانحة للمعونات الغذائية الدولية وفقاً لنص الفقرة الرابعة من المادةالعاشرة من اتفاق الزراعة بضمان: عدم ربط تقديم المعونات الغذائية الدولية بالصادرات التجارية من المنتجات الزراعية إلى البلدان المتلقية لتلك المعونات، وبأن تقدمالمعونات على هيئة منح كاملة أو بشروط لا تقل تيسيراً عن تلك المنصوص عليها في المادة الرابعة من اتفاقية المعونات الغذائية للعام 1986م·
جـ ـ عدم انطباق ضوابط حظروتقييد تصدير المواد الغذائية الواردة بالمادة (12) من اتفاق الزراعة على أي من البلدان النامية الأعضاء إلا إذا اتخذ التدبير بلد نام آخر عضو في المنظمة يعتبر مصدراًصافياً للمادة الغذائية المحددة المعنية·
د ـ التدابير المتخذة بوساطة الدول المتقدمة تنفيذاً للالتزام الواقع عليها بمقتضى المادة السادسة عشرة من الاتفاق بشأنالآثار السلبية التي يحتمل أن تنجم عن تطبيق برنامج الإصلاح الزراعي على البلدان الأعضاء الأقل نمواً والبلدان النامية الأعضاء المستوردة الصافية للمواد الغذائية وقدوردت التدابير في قرار تعويض البلدان النامية المستوردة الصافية للغذاء والذي ينص على:
1 ـ إجراء مفاوضات في إطار منظمة التجارة العالمية بالتعاون مع منظمة الأغذيةوالزراعة (Food and agriculture Organization FAO) لتحديد حاجات البلدان النامية المتضررة من تأثيرات تطبيق اتفاق الزراعة على مستورداتها الغذائية·
2 ـ رفع معدلات المساعدات والمنحالغذائية المقدمة من الدول المتقدمة للبلدان النامية·
3 ـ تيسير شروط الاقتراض لتلبية الحاجات الغذائية من قبل الدول المتقدمة ولصالح البلدان النامية·
4 ـ عدمالربط بين الاستيراد الغذائي للبلدان النامية والذي يتم على أسس تجارية وذلك الذي يقدم من خلال برامج الإعانات والمنح الغذائية من الدول المتقدمة·
5 ـ إتاحة الفرصللبلدان النامية للاستفادة من موارد المؤسسات المالية الدولية·
6 ـ تكثيف الدول المتقدمة لمساعداتها الفنية والمالية للبلدان النامية لإسراع وتنويع الإنتاجالزراعي الغذائي·
وصفوة القول فيما سبق: إن اتفاق الزراعة في إطار جولة <أوروغواي> ومنظمة التجارة العالمية، قد أرادت له أطرافه بعد كفها الحذر عن حروبها التجاريةأن يكون استهلالاً لبرنامج إصلاحي يقود عمليات التحرير التجاري في قطاع حيوي سواء للدول المتقدمة أو للبلدان النامية والأقل نمواً، بيد أن تضمين الاتفاق مجموعة منالأحكام التمييزية والتفضيلية لهذه البلدان الأخيرة ليس معناه نجاحه منقطع النظير في إصلاح عيوب التطبيق على أوضاعها الاقتصادية غير المستقرة، فسوف يبين لاحقاً عدمجدوى معظمها في تعويض زيادات ارتفاع أسعار مستورداتها الغذائية ما يجعلها لا تزال أسيرة فضل برامج الإعانات أو تدور في حلقة القروض المرعبة، وهكذا فإن تقوية بارقة الأملفي تعظيم المنافع المرجوة من الاتفاق للشعوب الإسلامية وغيرها من المجتمعات متوسطة ومنخفضة الدخل دعامتها الأساسية احترام الدول المتقدمة المصدرة للغذاء أو المستوردةلمنتجات زراعية من البلدان المشمولة بالرعاية لتعهداتها بفتح أسواقها وتنفيذ التدابير الإصلاحية بحسن نية وهذا الأمر ستؤكده أو تنفيه الشواهد المستقبلية!!·