د. علاء طاهر
العالم الإسلامي كمفهوم جغرافي
كان العالم الإسلامي كرقعة جغرافية عرضة للتغيّر الطردي في اتساعه بين ما اشتمل عليه مسبقاًمن أقاليم عند ظهور الإسلام أو العصر الكلاسيكي وبين ما يمثله الآن من رقعة جغرافية سياسية خاصة.
لقد خضعت هذه الرقعة الجغرافية الى الكثير من التوسع، أو بالأحرى إلىالكثير من الاتساع الاقليمي الطردي الذي تفاقم امتداده في مرحلتين، الأولى هي الفترة التاريخية الكلاسيكية المبكرة التي اصطلح على تسميتها بعصر صدر الإسلام، أي عهدالخلفاء الراشدين (رض) وبالخصوص عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب. والمرحلة الثانية هي عصر الدولة الأموية. وان هذا الاطراد في السعة للرقعة الجغرافية لم يتواصل بعد ذلكإلا خلال فترة حكم الدولة العثمانية التي تغلغلت إلى أقاليم جديدة مثل شرق أوروبا لكنها لم تكوّن دولاً اسلامية جديدة مضافة، بل نجحت في تكوين أقليات اسلامية داخل منطقةشرق أوروبا التي سميت بعد ذلك بأوروبا الشرقية. وخلقت الدولة العثمانية كذلك امكانية اسلامية داخل بقاع جديدة أخرى. ولذلك فإن ما يمكن أن يوصف بأنه رقعة جغرافية للعالمالإسلامي منذ الأصل ما هو إلا وصف لوضع جغرافي سياسي متغير.
إن المفهوم الجغرافي للعالم الإسلامي يتواكب مع مفهوم الاتساع التدريجي الذي شمل في النهاية الرقعةالجغرافية السياسية القائمة حالياً. ففي بداية انطلاقة الإسلام كانت فترة الرسول محمد (ص) مصدر هذا الانتشار للإسلام. وعبر عملية التتبع التاريخ لرصد التوسع الجغرافيلانتشار الإسلام يمكن تحديد بعض المراحل الزمنية منذ انطلاق الدعوة الإسلامية وحتى عصرنا الراهن.
انطلقت الدعوة الإسلامية من مكة المكرمة، وطيلة عهد الرسول (ص) كانتوسع الرقعة الجغرافية لانتشار الاسلام محصوراً بالجزيرة العربية. حيث بدأت الدعوة في بداية الأمر من شمال مكة نحو المدينة المنورة، وبعد غزوات الرسول (ص) المتعددة شملالإسلام الرقعة الممتدة غربي شبه الجزيرة العربية على طول السواحل الشرقية للبحر الأحمر الممتدة من منطقة الحجاز شمالاً وحتى اليمن جنوباً. ثم امتد الإسلام من غرب شبهالجزيرة العربية حتى وسطها في منطقة نجد والمناطق الغربية المحاذية لصحراء الربع الخالي. وبقيت المناطق الشرقية القصوى الواقعة على السواحل الغربية للخليج والجنوبيالشرقي لم ينتشر فيها الاسلام، بل انتشر في اقصى الجنوب الشرقي للجزيرة العربية وفي المنطقة التي فيها الآن سلطنة عُمان والمنطقة الواقعة على مضيق هرمز وفي الشمالالشرقي لبحر العرب حتى ظفار جنوباً.
وبذلك يكون الإسلام حتى وفاة الرسول الأعظم (ص) عام 632 ميلادية قد شمل مناطق غرب الجزيرة العربية كلها وحزاماً صغيراً في الجنوبالشرقي للجزيرة هذا مع بقاء وسط الجزيرة العربية من الشمال الى الجنوب منطقة لم ينتشر فيها الإسلام.
وفي زمن الخليفة الأول أبو بكر وبعد قضائه على المرتدين في حروبالردة شمل الاسلام كل شبه الجزيرة العربية حيث امتد من سواحل الخليج وبحر العرب شرقاً حتى السواحل الشرقية للبحر الأحمر غرباً ومن مناطق سوريا والعراق في شمال الجزيرةحتى كل شبه سواحل الجزيرة الجنوبية المطلة على بحر العرب وقد استمر هذا الانتشار الجغرافي للدين الإسلامي حتى عام 634م.
غير ان الامتداد الجغرافي الأساسي للاسلام قدجاء في عهد الخلفاء الراشدين الثلاثة التالين وخاصة في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب فإن الفتوحات التي شهدتها فترة خلافته كانت هي الأساس الجغرافي الذي انطلقت منهالفتوحات الأخرى في العصر الأموي.
إن التأسيس الجيوستراتيجي عسكرياً لمناطق النفوذ في الدولة الإسلامية، حسب توسعها في زمن عمر بن الخطاب قد كانت القاعدة التيانطلقت منها الفتوحات الإسلامية، كما أن هذا الخليفة لم يكتفِ بعمليات الفتح بل بدأ يركز له أساساً لبناء دولة وأمصار على أساس إسلامي. فقد وضع قاعدة اقتصادية ونظامولاية سياسية ينبثق من الشريعة وتعاليم الإسلام وكان يستفيد ايضاً من النظم الإدارية التي كانت سائدة سابقاً عندما كانت الأقاليم الجديدة المفتوحة تحت هيمنة الدولةالساسانية أو الدولة البيزنطية، أي أن الفتح الإسلامي في زمن عمر كان يؤسس لدولة إسلامية في الوقت نفسه على صعيد جميع النظم الإدارية والمالية من نظام ضرائبي الى نظامخراج... لكي تكون هذه البلدان إسلامية دائماً ومستقبلاً. ومن هنا كانت الأقاليم والبلدان المفتوحة في عهد الخليفة الثاني هي النواة للرقعة الجغرافية التي انتشر فيهاالاسلام والتي كانت المركز الجغرافي الذي انطلقت منه الفتوحات الاسلامية الأخرى في عهد الخلفاء الراشدين الذين تلوه في الخلافة ثم في العهد الأموي وما بعده.
وفينهاية عهد الخلفاء الراشدين الذي انتهى عام 661 ميلادية، كانت الرقعة الجغرافية للإسلام قد شملت كل منطقة شبه الجزيرة العربية وتوسعت نحو الشرق والشمال الشرقي للجزيرةالعربية حتى وصلت شمالاً الى المنطقة التي كانت تعرف بارمينيا آنذاك والتي تمثل تركيا الحالية. ثم بلغت في الشمال الشرقي حدود سمرقند في الشرق. وضمت المنطقة التي تعرفالآن بايران وافغانستان وجزءاً من الباكستان، وتقارب شرقاً الحدود الغربية للهند الحالية.
أما في الاتجاه الشمالي لشبه الجزيرة العربية فقد شملت الفتوحاتالإسلامية كل بلاد الشام والعراق والجزء الشرقي لتركيا الحالية الواقع في الجنوب الشرقي للبحر الأسود، ثم شملت جزءاً من منطقة القوقاز وكذلك البقاع الواقعة على السواحلالجنوبية الغربية لبحر قوزين. أما في الغرب فقد شملت الفتوح الاسلامية في عهد الخلفاء الراشدين وحتى العام 662 كلاً من مصر الحالية والأجزاء الشمالية والشمالية الشرقية منليبيا الحالية، حتى وصلت مدينة طرابلس والمنطقة الجنوبية الغربية لها والتي تشكل حالياً الجزء الشمالي الوسطي والغربي من ليبيا.
وبذلك كانت الرقعة الجغرافية للدولةالإسلامية في نهاية عهد الخلفاء الراشدين تضم كافة مناطق شبه الجزيرة العربية، أي دول الخليج الحالية والعراق وسوريا والأردن وفلسطين ثم شرقاً إيران وأفغانستان وجزءاًمن الباكستان، وشمالاً جزءاً من روسيا وجزءاً من تركيا الحالية، وغرباً شبه جزيرة سيناء ومصر والجزء الشمالي والشرقي والأوسط من ليبيا الحالية وتصل في حدودها الشماليةالغربية الى حدود تونس الحالية.
كانت هذه الرقعة الجغرافية المُشكّلة للعالم الإسلامي هي القلب الذي ما زال يشكل الدولة الإسلامية المعاصرة والتي انطلقت منهاالفتوحات التالية في العصر الموي ثم استمرت بعد ذلك في العصر الحديث خلال عهد الدولة العثمانية. وعلى الرغم من أن الفتوحات التي حصلت في العصر الأموي قد شملت بعد ذلكمنطقة شمالي أفريقيا وجزءاً من بعض بلدان القارة الأوروبية شمالاً 'اسبانيا'. وكذلك في الفتوحات التي حصلت في العصر العثماني وتوغلها في منطقة شرقي أوروبا إلا أن هذهالفتوحات الأموية والعثمانية لم تؤسس رقعة جغرافية ثابتة لحد الآن، فإن ما كسبه الأمويون في بعض فتوحاتهم مثل اسبانيا وبعض المناطق الاوروبية وكذلك في المناطق الشماليةالشرقية التي وصلتها الفتوحات في عهدهم ما لبثوا أن فقدوها أثناء الصراعات العسكرية التي نشبت في فترات تاريخية مختلفة بعد ذلك بينهم وبين الدول الأجنبية الأخرى.
المصدر : العالم الاسلامي في الاستراتيجيات العالمية المعاصرة