مراجعة فی کتاب «الصراع الحضاری و العلاقات الدولیة»

محمدحسین الحلو

نسخه متنی
نمايش فراداده

مراجعة في كتاب ((الصراع الحضاري والعلاقات الدولية)) للدكتور سمير سليمان

محمد حسين الحلو

تعاطى المؤلف في مقدمة الكتابلغة ((الوعي الاسترجاعي)) بحق ما يسميها ((الاستعادات المنهجية)) التي برزت عند الغرب في فترة زمنية قياسية هي فترة ما بعد الحرب الباردة، والتي لا يراها أكثر من ممكناتغابرة ورجاءات خلاصية كان قد تم ابتكارها سابقاً في لحظات مماثلة أو في ظروف أخرى، فتم استحضارها وإعادة إنتاجها وتطوير خطابها وآليات نشرها وتوزيعها بما يتلاءموالظروف ـ ظروف الأزمة! المستجدة.

كل ذلك في محاولة منه لمحاكمة تلك التوليدات أو الاستفاقات الانطروبولوجية، التي يحصرها في أطروحات خلاصية أربعة ه: نهاية التاريخلفوكوياما، وصدام الحضارات لهانتغتون، ومشروع العولمة (الكونية).

والطريق الثالث الذي يبدو أنه محاولة تلفيقية بين اليسار واليمين في وقد اختلطت، في الغرب، وتشابكتالايديولوجيات الاشتراكية والرأسمالية حتى خفت الفواصل بينها وضاعت ملامحها، أو معظمها بالأقل، فصار اليميني في السلطة اشتراكياً واليساري رأسمالياً.

وعلى أساس منهذا جاء هذا الكتاب محاولة لتكثيف عقد من البحث والمتابعة في موضوع الصراع الحضاري والعلاقات الصراعية أو التقاطعية أو التفاعلية بين المشروعين الحضاريين: الماديوالإلهي، وذلك من خلال النظر إليهما بالمنهج الحضاري، الذي يتراءى للمؤلف أن استعادته في قراءة العمران البشري وظواهره أهم الاستعادات الأربع المتقدمة.

ـ الصراعالحضاري بين فوكوياما وهانتنغتون:

في بيئة مشحونة بالأفكار والمعلومات وتحولات تفوق عامل الزمن على عامل المكان وتقدم العلم على الجغرافيا، يتأكد الحديث عنالعلاقات المفترضة بين الحضارات في هذا العالم، التي لا زالت تحتفظ لنفسها بمقومات البقاء والاستعداد للنمو والنهوض.

وتبدو وجاهة مثل هذا الحديث بعدما دأب مفكروالغرب على استعادة طرح سؤال كبير مركب من أسئلة تفصيلية عقب كل تحول استراتيجي يبدو فيه العالم متجهاً نحو مرحلة جديدة. السؤال هو: ما هي طبيعة الصراع بين الأمم والشعوب؟

في هذا المناخ القلق ولشدة الغموض المحيط باحتمالات تطور العلاقات الدولية المقبلة وبالتالي بصيرورة العالم المضطرب، وقد خرج الإسلام من القمقم شاهراً مشروعه في كلاتجاه وبلغات ممانعة متعددة، واستفاقت قوميات جريحة فبدت وكأنها تنطق بخطاب خُيّل إلى العالم أنه قد دفن تحت ركام الخصوصيات والفوارق التي اجتاحتها حمى الدعواتالكوسموبوليتية والعولمية .. في هذا المناخ يُسترجع ذلك السؤال الكبير بتداعياته المعقدة.

في هذا الفصل يحاول المؤلف التعرض لمقولتين شكلتا العصب الأساس في مكوناتالظاهرة الأمريكية، التي شكلت أحدث تطوير لمفاهيم التطور التأريخي والفكر السياسي وفلسفة التأريخ في الغرب بشتى تداعياتها، أريد لهما ـ هاتين المقولتين ـ أن تكوناجواباً عن السؤال أعلاه، معتقداً ـ المؤلف ـ بأن كل الإجابات التي قدمها العقل الغربي عن السؤال حتى الآن لما تؤد إلى فهم مقنع بحقيقة الصراع بين الأمم والشعوب، هل هوديني أم أثني أم ايديولوجي أم اقتصادي أم سياسي أم خليط مركب من هذا وذاك؟ الأمر الذي يدع مجالاً عريضاً ـ والكلام له ـ للشك في قدرة العقل الغربي على تقديم فهم حقيقيلحاضر العالم وعلى استشراف مستقبله، وبالتالي ثبوت عجزه ن فهم الإنسان والتأريخ والتطور التأريخي وشروط قيام عالم متوازن ومتكامل وآمن.

هاتان المقولتان اللتانتحاولان تقديم رؤية في تفسير حركة التحولات التي تجتاح العالم في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وصياغة منظور في العلاقة بين الحضارات ـ وفق التصور الأمريكي ـ تنتميان إلىنوع المقولات التي مزجت بين السياسة والثقافة في تكوين بنيتها الداخلية وفي نظرتها للعالم الخارجي. وهما مقولتا: ((نهاية التأريخ والإنسان الأخير)) وهي محاولة المفكرالسياسي الأمريكي ((فوكوياما))، الذاهبة إلى أن الديموقراطية الليبرالية ... تشكل فعلاً منتهى التطور الايديولوجي للنسانية، والشكل النهائي لأي حكم إنساني، بعد انهيارالاتحاد السوفياتي مما يعني نهاية التأريخ بتحقق الانتصار الشامل للنموذج الحضاري الغربي كخيار وحيد لمستقبل الإنسانية. إذ سوف لا يبقى في نهاية التأريخ أي منافس حقيقيللديموقراطية الليبرالية ... جازماً بأن الدين ـ بدوره ـ لن ينشئ بذاته مجتمعات حرة، وبأن المسلمين في المدى المنظور لن يتمكنوا من منافسة الديموقراطية الليبرالية في عقردارها في مجال الأفكار.

إن مقولة فوكوياما، بالمحصلة، وهي تقرأ الواقع الجيوسياسي في العام اليوم، وهو واقع متهافت وقلق لا يضمن التحليل العاقل استمراره وديمومته،إنما تعيد تظهير مشهد العلاقات الدولية بمعادلاتها وارتجاجاتها الحالية، باعتباره قدراً نهائياً يرتسم فيه العالم المابعد تأريخي بدوله الديموقراطية القائمة (الشمال)ودوله الممكنة في المستقبل، واحة سلام مستقر. بينما يرزح العالم التأريخي (دول الجنوب) في فوضى التدافع والقتال والصراع وتحتشد بين العالمين ـ وبالمنطق التيموسيالفوكويامي نفسه ـ قابليات انفجار الحروب وعواملها. فكيف للتاريخ أن ينتهي وللعالم أن يستقر ويهدأ، وسيوف الصراع وأسبابه مسلطة فوق رؤوس البشر، في ظل غلبة معادلات الظلموالهيمنة وآيديولوجيا البقاء للأقوى، وتشرعي إخضاع الآخر بكل الوسائل المتاحة؟.

ثم إن المتمعن في العلاقة الجدلية التي يرسمها فوكوياما بين السياسة ومكونات الهويةالثقافية الأخرى يجد أن السياسي عنده يكاد يبتلع كل شيء، ويحتويه بما في ذلك الفكر والدين والانتماء القومي وخصوصيات الهوية الثقافية، إلى درجة باتت فيها الثقافة شرطاًممكناً لقيام الديموقراطية، لا شرطاً حقيقياً وضرورياً.

هكذا وبهذه الإسقاطات المتجزئة التي انتزعها فوكوياما ـ يقول سمير سليمان ـ من رماد جمهورية أفلاطون .. ومنمفهوم الدولة والتحقق التأريخي الهيغليين .. اللذين أحرق هيكلهما بثقاب انتقائيته، يقرر فوكوياما أن الديموقراطية .. هي ابتداع نخبوي انقلابي من الدرجة الأولى، حققهدهاقنة السياسة، وليس للشعوب فيه إلا دور الرعايا الذين يصادقون على قرار النخبة، أو بمعنى أدق ـ يُذعنون له. وحتى ثقافات الشعوب ((المصنعة ديموقراطياً)) يختزلهافوكوياما إلى ((ميولات غامضة)) تُشطب من عل أو تمحى بحبر سياسي.

((إن مقولة فوكوياما، بأبعادها المركبة المنوه بها هي مقولة إلغائية استكبارية حضارياً وسياسياً، تصدقبلا ريب عن رؤية فلسفية حضارية هي في قلب المشروع الحضاري المادي المعنون اليوم بالغرب)).

المقولة الأخرى، التي استقطبت اشتغالات على نطاق علمي واسع في ميادينالثقافة والسياسة والاقتصاد والإعلام وهكذا في ميادين الفلسفة وعلم الأديان والتاريخ. الاشتغالات التي أكدت الطابع الجدلي لهذه المقولة ولما لها من حساسية وتوجس، هيمقولة ((صدام الحضارات)) وهي محاولة المفكر السياسي الأمريكي ((صامويل هانتغتون)) القائلة بـ : ((إن المصدر الأساسي للنزاعات في العالم الجديد لن يكون مصدراً آيديولوجياً أواقتصادياً في المحل الأول. فالانقسامات الكبرى بين البشر ستتكون ثقافية .. وستظل الدول/ الأمم هي أقوى اللاعبين في الشؤون الدولية، لكن النزاعات الأساسية في السياساتالعالمية ستحدث بين أمم ومجموعات لها حضارات مختلفة، وسيسيطر الصدام بين الحضارات على السياسات الدولية، ذلك أن الخطوط الفاصلة بين الحضارات ستكون هي خطوط المعارك فيالمستقبل)).

وبعد أن يحدد هانتغتون مفهومه لمصطلح ((الحضارة)) ينتقل إلى رسم الشكل العام لخارطة الحدود الحضارية في العالم المعاصر، حيث يرى أن ((خطوط الفصل)9 بينالحضارات ستكون نقاطاً حساسة وستكون عاملاً لظهور الصراعات المستقبلية، وتُعد البديل لحدود الايديولوجية السياسية الخاصة بفترة الحرب الباردة،ويسعى الكاتب في دراستهإلى إفهام رجال السياسة في أمريكا والغرب بأن مصدر الصراع المستقبلي سيكون بين الحضارة الغربية من جهة واتحاد المجتمعات الكونفوشيوسية في شرق آسيا والعالم الإسلامي منجهة أخرى، ويعتقد أن الصراعات الحضارية هي آخر مرحلة من مراحل تكامل الصراع في العالم.

ثم في ضوء هذه التضاريس والحدود التي احتفرها هانتغتون يحاول المؤلف أن يخرجبملاحظتين منهجيتين، قوام الأولى: خطورة اعتبار الأديان ـ وفق ما ينتهي إليه هانتغتون ـ مجرد مشاريع نزاعات وحروب .. ناهيك أن تأويله مؤد حتماً إلى إثارة الأديانوتحريضها بعضاً ضد بعض.

أما قوام الأخرى فهو عدم الدقة في المطابقة بين مفهوم الحضارة الذي اعتمده هانتغتون وبين الحدود التي اختطها على أساسه. وهما في الحقيقة جزء منمجموع مؤاخذات نقدية أوردت على هذه المقولة، إذ يمكن الإشارة هنا إلى ملاحظات ((برجنسكي)) الذي يقبل من حيث المبدأ استبدال الصراع الغربي ـ الشيوعي، بالصراع الغربي ـالإسلامي، إلا أنه ينكر على هانتغتون عدم اهتمامه بتفتت الفكر الغربي وتآكله داخلياً. كذلك من المؤاخذات المهمة التي وجهت لنظرية ((صدام الحضارات)) هي ما كتبه الدكتورفؤاد عجمي، الذي يستغرب من هانتغتون تجاهله دور الدول في تحقيق مصالحها القومية، مع أن ((الدولة)) لا تزال أقوى العوامل على مسر القضايا العالمية، فهو ينظر أولاً لسيطرةالدول على الحضارات وثانياً لضعف العامل الحضاري.

ـ فوكوياما وهانتغتون وجهان لعملة واحدة:

بعد القراءة التفكيكية والتركيبية لمقولتي فوكوياما وهانتغتون يخلصالمؤلف إلى القول بأنهما لم تفلحا في إنتاج نظرية متماسكة ومقنعة تميط الحجب عن تلك الحقيقة الإشكالية، المتمثلة في السؤال المنهجي الشمولي المتعلق بحقيقة الصراع بينالدول والجماعات الإنسانية، كونهما جاءتا محكومتين برد فعل ((مشروع)) على تحول استراتيجي ((مفاجئ)). تمثل بانهيار المنظومة الماركسية، وانتهاء مرحلة الحرب الباردة، فكانطبيعياً أن يسراع العقل الغربي في محاولة ملء الفراغ الايديولوجي الذي طرأ على أثر التهافت ((الظاهري)) للأدبيات السجالية التي كانت تزخر بها حمى الوطيس بين الجبارين تحتضغط هذا الواقع المستجد جرى استيلاد المحاولتين اللتين لم تشكلا سوى مراكمة لتأريخ التعثر الفكري في الغرب.

ـ الاستعادة الصحيحة للمنهج الحضاري الإسلامي في قراءةالتأريخ:

يرى المؤلف إمكانية القول أن المنهج الحضاري في تفسير التأريخ المعاد اكتشافه في آخر الإضافات الفكرية الأمريكية وخصوصاً على يد صامويل هانتغتون، وبالرغممن الأخطاء الفظة والاستخلاصات الناشزة التي ارتمى في بُحرانها، هو المنهج الأصل بالمنظور الإسلامي، وبمعاييره الدقيقة أيضاً.

يبقى أن نشير إلى اعتقاده: بأن العودةالعملاقة للإسلام إلى الواجهة السياسية والمعرفية الدولية لم تكن لتتبوأ ذلك الموقع الانبعاثي المتقدم لولا ثورة الإمام الخميني وشعبه بالمشروع الحضاري للإسلاموانطلاقاً منه.

ـ الإمام الخميني والصراع الحضاري:

قد لا نكون مبالغين إن قلنا أن مصطل ـ مفهوم ((الصراع)) هو أحد أبرز المصطلحات ـ المفاهيم السجالية التي طفت علىسطح النقاش المحتدم بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك مفاصل الخصم التأريخي لليبرالية الديموقراطية.

على هذا الأساس يحاول أن يقدم المؤلف رؤية الإسلام ـ بالإمامالخميني ـ عن طبيعة الصراع (بين الأمم والشعوب أو بعبارة بين الدول)، حيث يحدده وفق هذه الرؤية بأنه: لا يعني إعلان الحروب واستخدام العنف بالضرورة بل هو الجهاد العموديالارتقائي الذي يرتفع بالإنسان والجماعة إلى مرتبة تدرجية أعلى هي في ذاتها سمو أكثر اقتراباً من الهدف النهائي المطلق .. إنه الصراع/ الجهاد التراكمي باتجاه الكمال.

ثم إنه طبقاً لما بناه سابقاً من انحصار المفهوم الحضاري بإثنتين من الحضارات ـ المادية والإلهية ـ ينوه إلى استخدام الإمام الخميني مصطلح الطريق، من مجموع مصطلحاتمتقاربة حتى حدود الترادف، للإشارة إلى كل من هاتين الحضارتين المؤسستين قرآنياً على قيمتين مطلقتي الدلالة أي: كل حق وكل باطل، وقرن كلاً منهما بوجهة قرآنية مطلقةأيضاً، عندما سمى الأولى: ((الطريق إلى الله)) وسمى الثانية ((طريق الطاغوت)).

ـ السنن في الصراع الحضاري بالمعايير الإسلامية:

يتطرق مؤلف الكتاب في هذا الفصل الذياتخذ من (المناشيت) أعلاه عنواناً له، إلى أهم المميزات وأبرز المواصفات التي يتسم بها المشروع الحضاري الإسلامي والتي منها:

أزلية الصراع: المتحققة وفق القراءة التيترى في الصراع الحضاري سنة ـ قانون من السنن ـ القوانين التأريخية ـ الاجتماعية التي لا تستطيع صيغ الحياة الخروج على حتميتها أو ديمومتها، حيث يعتبرها الشهيد محمد باقرالصدر (ره) ذات طابع موضوعي وعلمي، لأن أهم ما يميز القانون العلمي ـ كما يقول ـ عن بقية المعادلات والفروض هو الاطراد والتتابع وعدم التخلف.

وبهذا المعنى، فإن الصراعالحضاري أزلي يتحلى بكل شروط الديمومة، من هنا جاء قول الإمام الخميني ـ بالإسلام ـ : ((إن صراع حضارة الحق/ طريق الحق ضد النزوع الحضاري المادي، هو صراع أزلي مستمر منذ آدمإلى نهاية الحياة)).

ـ في التغير والتحول التأريخيين:

إن الصراع الحضاري يهدي المعايير السننية الإلهية/ الثوابت .. محكوم بنمط آخر من المعايير في تصور الحضارةالتوحيدية لمسار التحولات والتغيرات التأريخية التي لطالما تضاربت في تفسيرها التجريبية الفكرية المادية، فالذي يُنشئ تلك التحولات والتغيرات في الأصل، وعلى مستوىنظام الحياة والوجود، هو المشيئة الإلهية، غير أن هذه المشيئة لا تتدخل في تثبيت فعل التغيير والتحول إلا بعدما يغير الناس/ الجماعة/ القوم ما بأنفسهم. قال تعالى: (إن اللهلا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم).

ثم إن هذا التغيير من الداخل ليس خصيصة منهجية إسلامية في الصراع الحضاري وحسب، بل هو أيضاً فعل مقاومة لا تنقطع لسلبياتالمشروع الحضاري المادي، وهو بذل ممانعة دائمة داخل النفس، وفي الجماعة المواجهة محاولات الاختراق التي لابد من أن تتعرض لها الذات المؤمنة بعنوان الأهواء، وصنوفالإغراءات الفردية والجمعية المؤدية إلى تهافت الأمة وسقوطها، ومعها يتهاوى المشروع الحضاري الذي اختارت الانتماء إليه من خلال تداعي مصاديقه.

ـ الصراع الإحيائي:

يعقد المؤلف هذا الفصل لتكفيك رموز مصطلحي الصراع والحوار، على خلفية الغموض والالتباس الذي يكتنفهما، وفق التصور الإسلامي، منطلقاً من قوله تعالى: (يا أيها الذينآمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ... ) في تحديد معنى الصراع الذي يرى في هذا الاحياء/ الدعوة للانتصار على السكونية والموت المعنويين .. دعوة مشروعةللانضواء في الصراع الحضاري الأزلي إن لم يكن هو فعل الصراع بعينه.

ثم يعقب على ضرورة توطيد التعاون والتخفيف من حدة حوافز الاختلاف، وتذليل عقبات التفاهم إلى الحدالأقصى الممكن وذلك عبر المشروع الذي ارتسم بعنوان الحوار بين الحضارات الذي يبصره باعتباره القطب الأول في ثنائية جدلية يشكل مشروع الهوية الكونية الواحدة الناهدة إلىوأد الهويات المحلية الموقعية أو ما عُرف بالعولمة، القطب الآخر لها.

وفي طريق إرساء دعائم القطب الأول يرى شرطية إحداث تحول مبدئي في العلاقات الدولية بنسقهاالتدميري الرائج والقائم على ما يسمى ((لعبة المصالح)) ـ أو إدارة الأزمة في كوكب الفقراء حسب أحد المفكرين الإسلاميين ـ والبراغماتية المادية العمياء، وذلك باتجاه بناءعلاقات راسخة بين الدول بوجهة جديدة ومضمون جديد يقومان على المساواة بين الدول في الحق والسيادة وفي الواجبات وفي تنمية علاقات الصداقة والتعاون بما يضمن الأمن والسلمالدوليين، وعلى أساس الاحترام المتبادل واللجوء إلى الطرق السلمية لفض النزاعات وضمان الحق بالتنافس البناء والتمايز النقدي الحر.

ثم إنه يعتقد أن الإمام الخميني(رض) مثل التجسيد العيني للنموذج غير الطوباوي للعلاقات الدولية بمعاييرها الإسلامية، عندما قرر للسياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية أن ترفض المساومة علىالمبادئ الإسلامية التي قامت عليها تلك السياسة.

رافضاً ـ المؤلف ـ الدعوى التي ترى في نظرة الإمام إلى العلاقات الدولية والصراع الدولي، محكومة بالمنهج الفلسفيالمثالي المنطلق من مقدمات عقيدية أو ميتافيزيقية ثابتة، والمنطلق مما يجب أن يكون لا مما هو كائن، وذلك قبالة ((المنهج الواقعي المعاصر)) على طريقة هانس مورنمانثو ..

إذا كان ذلك يحلو لهم، فإن تطبيق الإمام عملياً لتصوره الإسلامي للعلاقات الدولية ومبادئ حمايته فعل الصراع الدولي، خير دليل على أن الإمام قد زاوج بين ما ينبغي له أنيكون وبين ما هو كائن، مقدماً من خلال ذلك أفضل مثال على اقتران النظرية بالممارسة في المشروع الحضاري الإسلامي والشريعة التي يعتد بها.

* مجلةالتوحيد /العدد701/1002 م