إیران القدیمة

حسن الأمین

نسخه متنی
نمايش فراداده

حسن الأمين

حسن الأمين

إيران القديمة:

تطلق كلمة إيران في اصطلاح الجغرافيين على الهضبة التي يحدها من الشمال جبال القوقاس وبحر الخزر ونهرجيحون ومن الشرق مرتفعات التيبت ونهر السند ومن الجنوب بحر عمان وخليج فارس ومن الغرب جبال زاجروس والفرات الأعلى. والامبراطورية القديمة أوسع بكثير من التحديد الجغرافيلهضبة إيران. وكانت الزرادشتية ديانة إيران القديمة ويوجد بقايا من معتنقي هذه الديانة حتى الآن في إيران والهند والباكستان.

وتوالى على حكم إيران القديمة أولاً:(الميديون) وهم أسرة قديمة كانت تحكم شمال إيران وغربها منذ القرن التاسع قبل الميلاد، وهي التي استخلصت البلاد من حكم الآشوريين وأقامت لايران حضارة واسعة كانت مقدمةلظهور الأسرة الاكمانية أو الكيانية التي تعرف بالهخمانشية أيضاً.

ثانياً: الدولة الهخمانشية وهي أول دولة تاريخية وردت في مراجع القدامى كاليونان والرومان وأفردتلها التوراة فصولاً خاصة ولا سيما عند الكلام عن (كورش) المعروف عند اليونانيين بسيروس وهو الذي وحد إيران بعد أن كانت أقاليم شمالية وجنوبية فكوّن منها دولة قوية، ثماتجه إلى فتح البلاد المجاورة ففتح بلاد ما بين النهرين (بابل وآشور وليديا) ثم توجه نحو الشرق وامتدت فتوجه إلى تخوم الصين وما وراء نهر سيحون، وهو الذي يرى بعضهم أن هوذو القرنين وبعد كورش تولى الملك ابنه (كامبوزيا أوقمبيز) الذي اشتهر بفتوحه في مصر ومحاولته فتح السودان والحبشة. وبعد موت قمبيز اختير للملك أحد أفراد أسرته (دارا)المعروف بداريوس الكبير الذي يعتبر أعظم ملوك هذه الأسرة. ثم ضعف شأن الدولة في عهد دارا الثالث الذي انهزمت جيوشه أمام غزو الاسكندر في معركتي ابسوس واربلا. وقتل داراالثالث نفسه في سنة 303 قبل الميلاد فكان آخر ملوك الأسرة الهخمانشية التي استطاعت أن تحكم الشرق والغرب وتسيطر على العالم زهاء ثلاثة قرون من الزمان من سنة 546 إلى 330 قبلالميلاد مما لم يتيسر لدولة أخرى قبلها ولا بعدها.

ثالثاً: السلوقيون: بعد موت الاسكندر في مدينة بابل في طريق عودته إلى مصر سنة 323 قبل الميلاد اقتسم قواده البلادالتي فتحها فكانت إيران والشام من نصيب أحد قواده المعروف باسم (سلوكوس) وهو مؤسس الأسرة السلوقية وأشهر ملوكها وقد استمرت هذه الأسرة من 320 إلى سنة 261 قبل الميلاد.

رابعاً: الأشكانيون أو البارثيون: ثارت القبائل في شمال إيران على حكم السلوقيين وأقامت على إنقاضهم الدولة البارثية أو الأشكانية سنة 250 قبل الميلاد. وقد امتد حكم هذهالأسرة ما يقرب من الخمسة القرون وكانت فترة حكمها مليئة بالأحداث التاريخية والحروب الكثيرة بين الفرس والروم وقد امتد حكمها من سنة 250 قبل الميلاد إلى سنة 226.

خامساً: الساسانيون: في أيام (اردوان الرابع) آخر ملك أشكاني دار قتال بينه وبين أردشير باباكان في إقليم خوزستان وانتصر أردشير عليه وبذلك قضى على الدولة الأشكانيةوقامت الأسرة الساسانية التي أعادت مجد إيران إلى ما كان عليه في عهد الامبراطورية الهخمانشية. ولقد ظلت هذه الأسرة تحكم الامبراطورية الإيرانية إلى أن جاء الفتحالاسلامي في عهد يزدجرد الثالث سنة 651م. فتكون هذه الأسرة قد حكمت من سنة 226 قبل الميلاد إلى سنة 651 ميلادية. وبانتشار الإسلام انتهت الدولة الساسانية.

ـ الحياةالسياسية والاجتماعية لإيران عند الفتح الإسلامي:

كان الفرس والعرب قبل الإسلام أمتين متجاورتين تعرف إحداهما الأخرى معرفة بسيطة قاصرة على الصلات المحدودة التيكانت توجد بينهما حينذاك.

وكانت مملكة فارس عندما غزاها المسلمون تعيش في حضارة متأصلة في القدم مؤسسة على نظام اجتماعي حافل بتقاليد وعادات كونتها تطورات تاريخيةحصلت طيلة قرون وأجيال كثيرة من عهد الرعاة الآريين الأولين إلى زمن الامبراطوريات الإيرانية العظيمة التي قامت دور هام في تاريخ العالم القديم.

وكان هذا النظامالاجتماعي نظاماً اريستقراطياً إلى أبعد حد بعيداً كل البعد عن ذاك النظام الاجتماعي البسيط الذي كان يعيش عليه العرب حينذاك. وحسبنا مثالاً لذلك أن الفرس كانوا يعظمونملوكهم إلى درجة أنهم كانوا يعتبرونهم عناصر إلهية يحرم على الناس التفوه بأسمائهم وألقابهم ولا يسمح بمقابلتهم ورؤيتهم والتكلم معهم إلا لقليل من الخواص والأشراف وكانفرضاً على هذا القليل من الخواص ألاّ يقابلوهم إلاّ متلثمين بلثام يجعلونه على أفواههم كما كان الرسم عند الحضور في المعابد. وقد كان هذا هو الحال عند الفرس بينما كانالخليفة عند المسلمين يجلس للناس في المسجد ويخطبهم من على المنبر ويشاورهم في الأمر وقد ينقدون أعماله ويعترضون على كلامه.

ولقد كان هذا التباين مثاراً لتعجبالطرفين أحدهما من الآخر عندما سنحت الفرصة لتلاقيهما من قريب وهناك روايات تصور ذلك، منها خبر ورود المغيرة بن شعبة على رستم قائد الجيش الإيراني رواه الطبري وغيرهوالخبر يقول: «فأقبل المغيرة بن شعبة، والقوم في زيهم عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب وبسطهم على غلوة لا يصل إلى صاحبهم حتى يمشي عليها غلوة. وأقبل المغيرة، ولهأربع ضفائر يمشي حتى جلس معه على سريره ووسادته، فوثبوا عليه وترتروه وانزلوه ومغثوه. فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قوماً أسفه منكم. إنا معشر العرب سواء لايستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محارباً لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض. وأن هذا الأمر لا يستقيمفيكم فلا نصنعه، ولم آتِكم، ولكن دعوتموني. اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون، وأن مُلكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول».

وفي رواية أخرى يذكرفيها ورود سفير من العرب اسمه ربعي بن عامر على رستم ويروي عن ربعي هذا أنه قال: «يا أهل فارس، إنكم عظمتم الطعام واللباس والشراب وإنا صغرناهن».

هذا وقد عقب المؤرخونعلى واقعة ورود ربعي بكلمة لرستم يظهر منها أن القائد الفارسي نفسه كان مستشعراً بهذا الضعف المعنوي الكامن من قرارة دولة الفرس وهذا الفساد الفاشي في المجتمع الفارسيحينذاك. فقد روى المؤرخون أنه كان يتحاشى أولاً التمسك بإظهار زينته لوفود العرب حتى لا يظهر أمامهم متعاظماً عليهم ولكن قواد جيشه خالفوه في ذلك فأخذ برأيهم ويقولالتاريخ أنه بعدما رجع سفراء العرب خلا برؤساء فارس، فقال: «ما ترون؟ هل رأيتم كلاماً قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل (أي ربعي)؟ قالوا: معاذ الله لك أن تميل إلى شيء منهذا وتدع دينك لهذا الكلب أما ترى إلى ثيابه؟ فقال: ويحكم! لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة إن العرب تستخف باللباس والمأكل ويصونون الاحسابليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون فيه ما ترون».

ويظهر من التاريخ أن قواد الجيش ورؤساء الفرس أصروا على مجابهة رستم بالرد والتمسك بتجلدهم، فقال لهم رستم: «والله إنيلأعلم أنكم تصغون إلى ما أقول لكم إن هذا منكم رياء».

وفي إحدى الروايات أن رستم كان ينظر إلى هذا الاضطراب السائد في بلاده والذي بدأ يفشو بعد موت الملك كسرى. وقد كانمن جراء هذا الاضطراب إن جلس على سرير الملك في مدى أربع سنين عشرة ملوك رجالاً ونساء. ويجدر بالذكر أن هؤلاء الرؤساء والأمراء الذين نراهم متشاورين هنا كانوا أنفسهم منأقوى العوامل بل العامل الوحيد في إثارة هذه الاضطرابات وإضعاف دعائم الدولة الساسانية. وقد كان رستم شهماً شجاعاً كما يشهد به التاريخ ولكن الأحوال كانت أسوأ من أنيستطيع هو تداركها بشهامته وشجاعته.

وأما عامة الإيرانيين فقد كانوا إذ ذاك يشاهدون بأعينهم انهيار هذا البناء الشامخ أمام قوم من البدو. ولم يكن عندهم تعليل لهذاالحادث الجلل سوى انه من حكم الأقدار أو مشيئة الأفلاك كما كانوا يقولون.

وكان الفرس يرون العرب من المنصورين من السماء. وقد نسب الفردوسي نفس هذه الفكرة إلى رستمفيما ينقله في الشاهنامة.

قضى الفتح الإسلامي على هذا البناء العظيم ونظامه الاجتماعي العريض. فزال نظام الطبقات الذي كان تراثاً آرياً قديماً. واختفى أشراف البلادوذوو بيوتها، قتل منهم الكثيرون في الحروب واندمج الباقون في الشعب. ويقول البلاذري: «أن ابن عامر قتل في فتح فارس من الأعاجم أربعين ألفاً وأفنى أكثر أهل البيوتان ووجوهالأساورة وكانوا قد لجأوا إليها». هذا وقد بقيت من ذوي الشرف طبقة واحدة كانت تعد في الدرجة الثانية من الأشراف وفي الدرجة الأولى من الرعية وهي طبقة الدهاقين. وقد كانلهؤلاء الدهاقين مركز هام في المجتمع الإيراني القديم فقد كانوا القائمين بأمر خراج الأرض وكانوا الوسطاء بين الرعية والملك. فجاء الإسلام فأقرهم في مناصبهم وعهد اليهمبما كان معهوداً إليهم قبل مجيئه من أمر الخراج والإشراف على الرعايا.

وأبقى المسلمون قوانين الأموال والضرائب على ما كانت عليها قبل الإسلام وجبيت الضرائب الثلاثالخراج والجزية وآيين على ما كانت تجبى عليه في أواخر عهد الساسانيين، وكان يقال للخراج والجزية في اللغة البهلوية «خراك وكزيت» ويظن أن تكونا مأخوذتين من اللغةالآرامية. ومع أنهما قد تستعملان مترادفين إلا أن الغالب في الاستعمال إن الخراج يعني ضريبة الأرض والجزية ضريبة الرأس. وصارت الجزية في الاسلام مخصوصة بالذميين وإن كنالا ندري هل أنت فيما قبل الإسلام مفروضة على الرعية كافة أو كانت مخصوصة بأهل الحرف والمهن اليدوية.

ومن البين إن الفتح الإسلامي كان نكبة على الطبقة التي كانت تفيدمن جمع الخراج. ولكن هل كان كذلك بالنسبة للطائفة المؤدية للخراج؟ يرى المؤرخ الانكليزي ميور ـ وهو من أحسن مَن كتب في تاريخ الإسلام ـ إن الرعايا في إيران لم يكن عندهمإلا الارتياح إلى هذا التحول العظيم الذي أراحهم من أيدي جبابرتهم. وهناك خبر للطبري يستفاد منه شيء بشأن موقف العامة حيال الاسلام وعدم رضاهم بحالتهم السابقة فقد روىالطبري إن المغيرة بن شعبة لما قال لرستم وأصحابه إن ملكاً لا يقوم على هذه السيرة قالت السفلة: «صدق والله العربي. وقالت الدهاقين والله رمى بكلام لا يزال عبيدنا ينزعونإليه».

وكان وضع الإيرانيين حيال الفاتحين وفي أبان فتح الاسلامي على صور مختلفة. فالذين أسروا في الحروب جرى عليهم حكم الرق إلى أن يجنحوا للإسلام فيجري عليهم حكمالمولى، وفريق آخر قبلوا الجزية تمسكاً بدينهم القديم فصاروا من أهل الذمة، وفريق دخل في الإسلام لأنهم لم يقبلوا دفع الجزية لعدم استطاعتهم أو لاستنكافهم من تحملالصغار الملازم للجزية. كما دخل في الإسلام جماعة ممن كان همهم التشبث بأهداب الحكومة الفاتحة ومشاركتها في التمتع بغنائم الفتوح. فحدث بذلك اختلاط بين الفئتين الغالبةوالمغلوبة واشتدّ هذا الاختلاط بمرور الزمان وقويت الصلة بينهما آخذة في العمق والمعنوية مما أثر في تشكيل حضارة مزدهرة هي الحضارة الإسلامية.

ولكن مر زمن طويل قبلالوصول إلى هذه النتيجة وقد طالت دونها سياسة الأمويين في تعصبهم القومي وإقصائهم للأمم المغلوبة وبخاصة للإيرانيين فقد كانوا يرون فيهم كما يقول ميتز: «بقية عدو باسلمستقل لم يتم التغلب عليه في مواطنه البعيدة المنال» وطالما اختلف الفقهاء في أمر المجوسي لتشمله أحكام الذميين أم لا، حتى رأوا أخيراً أن تكون ديته أقل من دية النصرانيواليهودي. والذين أسلموا من المجوس دخلوا في جامعة المسلمين ومنهم مَن شاركوا العرب في الحروب ففرض لهم، ومنهم مَن اشتغلوا بالمهن والمتاجر في البلاد على ما كانوا عليهفي حياتهم السابقة على الإسلام. يقول الطبري: «كان الفلاحون للطرق والجسور والأسواق والحرث والدلالة مع الجزاء عن أيديهم (أي عن مهنهم ومكاسبهم) على قدر طاقتهم وكانتالدهاقين للجزية عن أيديهم والعمارة وعلى كلهم الارشاد وضيافة ابن السبيل من المهاجرين. وكانت الضيافة لمن أفاءها الله خاصة ميراثاً».

واستخدم الإيرانيون لمناصبالحكومة منذ أوائل عصر الفتوح، فقد استخدم قباد رئيس الأساورة الديليين لحكومة حلوان. وهؤلاء الأساورة كانوا فرقة من الجيش الإيراني شهدوا القادسية مع رستم فلما قتلوانهزم الفرس اتصل هؤلاء بالعرب وأسلموا ودخلوا في الجيش الاسلامي وشهدوا مواقع كثيرة مع المسلمين. وقد روى البلاذري والطبري من أخبارهم ما يمثل صورة من اسلامالإيرانيين الأولين.

وذكر الطبري أن زيادة ابن أبيه لما أراد بناء مسجد الكوفة دعا ببنائين من بنائي الجاهلية «وفيهم بناء قد كان بناء لكسرى» وفي خبر آخر للطبري أنرجلاً اسمه روزيه بن بزرجمهر بن ساسان من أهل همدان بنى في الكوفة لسعد بن مالك قصراً ومسجداً ووفد بعد ذلك على الخليفة عمر بن الخطاب في المدينة وأسلم على يديه فأعطاهالخليفة وفرض له.

وفي الأغاني أنّ الحجاج بن يوسف استخدم لبناء الكعبة بعد خرابها في حروب ابن الزبير بنائين من الفرس كانوا يتغنون عند اشتغالهم بأغنية أخذها منهمسريج المغني فجعل منها ألحاناً. وهناك من خبر أبي لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة إنه كان نقاشاً ونجاراً وحداداً وكان يصنع طواحين تدور بالريح وكان مشتغلاً بحرفه تلكومتكسباً بها.

ـ وكان في زمن الساسانيين عدد كبير من المعامل والمصانع اليدوية في أنحاء البلاد لإنتاج الأقمشة والمنسوجات. وكانت موانئ الخليج الفارسي مراكز تجاريةهامة احتفظت بنشاطها زمن الحضارة الإسلامية أيضاً. فكان من الطبيعي أن تحصل وقفة في هذه الأعمال في دور الحروب والخسائر التابعة لها كما أنه من الطبيعي أن تكون قداستأنفت حياتها بعد هدوء الأحوال. ولكن طيسفون عاصمة الساسانيين التي تسمى بالمدائن خربت أبان الفتح خراباً نهائياً ولم ترجع إلى الحياة بسبب أن الحكومة العربية اتخذتالكوفة والبصرة مركزاً لها وانتقل النشاط إليهما بطبيعة الحال. وقد ورد في التاريخ ذكر جماعة من الإيرانيين في المِصْرَيْن كانوا من رجال المال والقائمين بالأعمال منذأوائل الإسلام.

ويظهر أن المناطق الشرقية والبلاد الجبلية الشمالية في إيران احتفظت باستقلالها أكثر من المناطق الغربية لبعدها عن مقر الحكومة العربية واعتصامهابموقعها المنيع. وكان أمراء هذه البلاد يجاملون الفاتحين بالأموال ويعاملونهم بالصلح والمسالمة. ويرى الباحثون في تاريخ الساسانيين إن الممالك الواقعة وراء مرو الرودشرقاً كانت في زمن الساسانيين خارجة عن سيطرتهم. ويرى الأستاذ كريستسن أن هراة نفسها لم تخضع لحكم الساسانيين. والواقع أن هذه المناطق كانت منذ أقدم الأزمان في أيديأسرات مالكة من ملوك الطوائف الإيرانية يتوارثونها خلفاً عن سلف طبقاً للنظام الاجتماعي القديم وقد ورد ذكر لفيف من هؤلاء الأمراء أو بالأصح الملوك الصغار في أخبارالفتوح مثل رتبيل في سجستان، واخشيد في فرغانة، وبخارا خداي في بخارى، ومازيار في مازندران، ومصمغان في الري وغيرهم ممن حاربوا العرب أو عاشوا معهم بمهادنة وصلح. وقدضعفت شوكتهم بعد استقرار الاسلام وانتشاره في طبقات الشعب وفني كثير منهم في فتوح الأمويين في خراسان وبخاصة في حروب قتبية بن مسلم. ولكن الحوادث لم تستطع استئصال شأفتهموهم الذين نهضوا بالحركة القومية في إيران وأسسوا الدول الإيرانية الأولى كدولة آل سامان أسسها أولاد سامان خداي وكانوا يمتون بنسبهم إلى بهرام جوبينة وحق زمن محمودالغزنوي كانت في أرجاء خراسان أسرات ملكية من الإيرانيين انقرضت على يد محمود منها أسرة «شار» المالكة على غرجستان وأسرة آل فريغون ملوك جوزجان.

ولقد تعود المؤرخونأن يعدوا حركة أبي مسلم وما يضاهيها من الحركات التي قام بها الإيرانيون بعد الاسلام حركات قومية ووطنية ترمي إلى إحياء مجد إيران القديمة وعظمتها. ولكن هذه دعوى تحتاجإلى بينة غير ما نراه في ظواهر الأمر. فهذه الظواهر لا تدل على أكثر من أن هذه الحركات كانت مؤسسة على أساس نزعات دينية اسلامية وليست وطنية أو قومية وقامت بها طوائف منالمسلمين كانوا يرون في مسألة الخلافة رأياً من الآراء التي كانت شائعة حينذاك في المجتمع الإسلامي.