حیاة السعیدة

عبد الحلیم کاشف الغطاء

نسخه متنی
نمايش فراداده

الحياة السعيدة

الحياة السعيدة

الشيخ عبد الحليم كاشف الغطاء

تعتبر اللّذة أهم ظواهر السعادة عند الإنسان وعند الحيوان لدرجة ما. وهيعبارة عن انبساط وميل في إحدى الحواس لبعض المحسوسات، كلذة السمع للغناء ولذة البصر لمشاهد الجمال، والشم للروائح العطرة، والذوق للمأكولات الشهية. وتتباين هذه الميولفي الحواس بين أكثر أفراد الأمم فربّ غناء يستحسنه العربي ويعجب به إذا مرّ على مسامع الغربي استهجنه وعده صخباً أو أزيرا. وهناك كثير من الأطعمة تعد عند بعض الأمم منأشهى أطعمتهم لكن إذا عرضت على أمم أخرى ما استطاعت أن تذوق منها شيئاً يسيراً، وقس على ذلك. وليس مدار السعادة في الحياة على هذه اللذات فقط بل هناك ما لا يقل عنها شأناًوهو راحة الفكر واطمئنانه وخلوه من الهموم والأفكار المزعجة لأنه مصدر الحواس والإدراك فإذا كان مشبعاً بالأحزان أصبح لا يستلذ بهذه المسرّات الا قليلا.

ويرىالفيلسوف(شوبنهور) أنه لا يوجد في الحياة سعادة حقيقية وإنما كل ما فيها دفع آلام وأن اللذة تمثل الناحية السلبية والألم الناحية الإيجابية، فمثلاً يأكل الإنسان ليدفعألم الجوع؛ ويشرب ليدفع ألم العطش، ويتزوج ليدفع من ألم الهم والفكرة قليلاً.ولكن هذه السعادة النسبية لا يستهان بها في الواقع، ولا شك أن اللذة تفوق الألم الذي يسبقهاوالذي يلحقها وانما الجهل والأنانية هما السببان الرئيسيان لشقاء البشر.

أهم أسباب السعادة:

الصحة، الحرية، الراحة من التعب الشديد والعمل الكثير،الطعام والشراب، التمتع بمشاهد الحياة الجميلة؛ الغناء، راحة الفكر والضمير.إلى آخره.

ومما يجب أن نتنبه إليه أن المال ليس من أسباب السعادة بل وسيلة لها وإن كانغاية عند بعض الأفراد. ثم إن الإفراط من الملذات مما يضر بالصحة ويضعف الحواس ويوجد الملل والسأم، فمثلاً إذا أكثر الإنسان من تناول الحلويات ضعفت فيه حاسة الذوق. وإذاأكثر من استعمال الروائح ضعفت حاسة الشم، وإذا أكثر من سماع الغناء وجد في نفسه مللاً لها، وإذا ركن للراحة زمناً طويلاً ضعف بدنه، وتراخت أعضاؤه. وما حب المرء للحياةوكرهه للموت إلا لتعوده على هذه الملذات أو بعضها والموت يحول بينه وبين هذه العادة التي تعودها، وصعبت عليه مفارقتها، والعرب تسمي الموت هادم اللذات، قال الشاعر:

هاتوا بنادر إلى اللذات ما وسعت

فان هادمها يوما يلاقينا

ولذلك إذا تجمعت على المرء المتاعب والآلام وفقد اللذة من عيشه فضّلالموت والانتحار على الحياة. وهذا هو السبب في انتحار كثير من الأفراد، وأهم دواعي الانتحار: الفقر المدقع، الإصابة بمرض عضال، الحب الجنسي، الفضيحة الدائمة والفشلالشديد.

أهم أسباب الشقاء:

الفقر، المرض، تصور الموت والخوف منه، الجوع، الحب، الخوف، عدم الحرية وقيود المجتمع، تبكيت الضمير.

الإنسان خير أمشرير؟

يعتقد(شوبنهور) و(توماس هوبن) الإنكليزي أن الإنسان شرير بفطرته الأولى وان القوة عنده هي الحق وأنه لا يعرف الرحمة على أبناء جنسه ووضعت القوانينوالمدنية لتحفظ الحقوق بين الأفراد ويميل إلى هذا الرأي قليلاً الفيلسوف(سبينوزا). ولكن(روسو) يخالف هذا الرأي ويرى أن الناس ليسوا بطبيعتهم أعداء متناكرين وأنهممتحابين بفطرتهم وقد تعاقدوا على الاجتماع ليتعاونوا على رقي الإنسانية وإنما الحاجة والضرورة قد تلجأهم إلى الشر. وقد وقعوا في بعض المفاسد بسبب الاجتماع والمدنيةالناقصة وانتشار روح الأنانية واتباع العقل وتمجيده فينبغي الرجوع إلى الطبيعة واحياء العاطفة والشعور في النفوس ليتآخى الناس ويتآلفوا بحكم العاطفة. ويؤيد قول(روسو)الرأي الحديث المبني على أساس علم الوراثة وهو أن الإنسان صالح على العموم بفطرته وإن صفة الخير هي المتغلبة فيه وصفة الشر تنتقل إلى النسل كصفة كامنة. وكما ان الانسانتسلط على الطبيعة كذلك على نفسه ويوجهها توجيهاً صحيحاً.

هل يصل الإنسان درجة الكمال؟

يذعن جميع الأدباء والفلاسفة بأن الحياة الإنسانية الحاضرة حياةتعيسة ولا تزال بعيدة عن الكمال ولكن يتسائل الجميع: هل يمكن أن يترقى الإنسان عقلياً وجسدياً بحيث أن يتحكم في الطبيعة وفي نسله ويعم السلام والحرية في العالم فيسعدالبشر؟ وهنا يجيب علماء التطور: من الذرة يتكون كوكب هائل ومن الخلية يتكون الفيل والحوت فلا غرو أن نؤمن أن الإنسان سوف يصل درجة الكمال،اللهم إلا أن تصطدم الأرض بكوكبآخر، أو يحين يوم القيامة قبل أن يصل الإنسان تلك الدرجة.

آراء الفلاسفة في السعادة:

يرى (افلاطون) و(سقراط) أن سعادة البشر تحصل بأن يتولى شؤون الدولةأفراد من حكماء الأمة وتقوم الحكومة بتوزيع الأموال بين الناس بالسوية وتربي الأطفال على أساليب صحيحة. ويرى(ادستيبوس السيريني) الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد أناللذة الحسية غاية الحياة وان العاقل مهما أمكنه أن يغتنم اللذة الوقتية. وكان(زينون الرواقي) مؤسس الفلسفة الرواقية يدعو إلى اللذة الروحية وإلى الفضيلة بكل معانيهاوانها هي الخير الأعظم وكان متشائماً يرى ان الحياة كلها شقاء ولما قارب الشيخوخة أنتحر عام(263) قبل الميلاد محبذاً الانتحار وموصياً به للتخلص من العناء. واما(ابيقور)فرأيه في السعادة الاعتدال في اللذة والدعوة إلى الفضيلة وتتلخص في كلماته الآتية:

1- أطلب اللذائذ التي لا يكون ورائها ألم.

2- إياك والألم الذي لا يجلباللذة.

3- إياك واللذة التي تحرمك من لذة أكبر منها أو تكون عاقبتها ألماً أكبر منها.

4- احتمل الألم الذي ينجيك من ألم أكبر منه أو الذي يكون من ورائه لذةكبيرة.

أما فلاسفة العصور الأخيرة وأدبائها فآرائهم تدور حول بيان مفاسد المدنية الحاضرة المبنية على الأنانية والتناحل ويدعون إلى: حرية الفرد(سبينوز. لوك.روسو). المساواة(روسو. كارل ماركس). الرجوع إلى الطبيعة(روسو، شوبنهور). السلام(كانت، هنري برجسون، برتراندرسل) انتخاب النسل(لسبنس. نيتشة).

ووافق مقالة كبار ادباءالغرب في أن الإنسان لا يزال تعيساً مع كل هذا التقدم العلمي والصناعي.لأن الإنسان لم يتقدم من الوجهة الصحية والبدنية ولا يزال قصير العمر عرضة للأمراض المختلفة التيتعتريه كثيراً بل ان المدنية وحياة المدن المزدحمة ساعدت على العدوى وأزدادت في الأمراض. والانحطاط لا يزال في الناحية السياسية والأخلاقية والاجتماعية ذلك الانحطاطالذي يتعدى أثره إلى راحة الفرد. وأعتقد أنه لا يوجد شخص سعيد في هذه العصور بالمعنى الذي أتطلبه، وغالباً نصطلح على الشخص أنه سعيداً إذا كان يتمتع بصحة معتدلة ومال وافروزوجة صالحة ودار جميل، ولكن إذا تأملنا مليا في هذا الشخص نلاحظ أنه بعد اللتيا والتي وبعد العناء الكثير حصل على ذلك الوضع ولا بد أن تكتنفه أحزان خفية علينا أو لا بد أنيضمر له المستقبل شراً. ويمكن أن يكون سعداء في البشر عندما أشاهد العالم على الصورة التالية:

1- جميع هذه المدن المزدحمة بالسكان العليلين والمباني المتقاربةوالشاهقة التي تحجز عنا نور الشمس وتمنعنا عن التمتع بمناظر الطبيعة الفتانة هدمت وحل محلها بيوت جميلة متباعدة صحية ذات طبقات قليلة محفوفة بالحدائق الغناء.

2- قد فنى واضمحل جميع ذوي العاهات والأمراض السارية وضعفاء الأفكار والأبدان واستراح البشر منهم.

3- يكون الإنسان في درجة من الرقي الجسمي والعقلي بحيث يعمر نحو(100سنة) بالصحة والنشاط لا بالعلل والأمراض.

4- أن يعيش البشر من الوجهة السياسية والاجتماعية على نمط وحدات كبيرة كالولايات المتحدة فتتحد عدة أقطار متقاربة فياللغة والعنصر والحدود وتؤلف وحدة مستقلة. ويشمل العالم السلام والحرية ويصبح اسم الحروب إسماً أثريا قد انقرض مع الإنسان القديم. ويكون هَم الدول راحة البشر جميعاًوتسخير قوى الطبيعة في سبيل ذلك.

أما الخطط والأعمال التي يمكن أن توصل البشر إلى هذه الدرجة فهي كثيرة لا مجال لذكرها. وعلى كل حال يعيش الآن ملايين وملايين منالبشر تعساء ولا نعلم متى تتحقق هذه الأحلام وما شاكلها؟

اسم المجلة: الاعتدال مكان الاصدار:النجف الأشرف

العدد:9 تاريخ الاصدار:صفر 1359هـ

الصفحة:527 سنةالمجلة:السنة الخامسة