ظهور المسرحیة الشعریة فی الأدب العربی

علی کاشف الغطاء

نسخه متنی
نمايش فراداده

ظهور المسرحية الشعرية في الادب العربي

ظهور المسرحية الشعرية في الادب العربي

الاستاذ علي كاشف الغطاء

المسرحية الشعرية فن من فنونالادب الواسعة التأثير، وهي تحتوي على جميع العناصر الفنية التي يجب توافرها في الرواية النثرية من: عرض، وعقدة؛ وحل، ولكن الحوار وهو الكلام الذي يقع من اشخاص الروايةعلى خشبة المسرح والذي يعتبر مادة الرواية التي عن طريقها تعرض حوادث القصة ويعالج الموضوع، يختلف في الاثنين فبينما يكون في الأولى شعراً يكون في الثانية نثراً.

والمسرحية الشعرية منتشرة في الآداب الغربية انتشاراً واسعاً ولها اهمية خاصة في توجيه ونقد المجتمع وهي عريقة في القدم لان تلك الآداب ورثت هذا النوع من الفن من أشعارالأقدمين من اليونان أولاً ومن الرومان ثانياً، ولقد كان لهذا الفن أصل قائم بذاته في الألعاب التمثيلية الاولى عند اليونان فغناء الاله باكوس-إله الخمر-لم يكن الامقاطيع من الشعر وكانت هذه المقاطيع هي التراتيل الاساسية التي يعتمد عليها الكورس-وهو الغناء الذي يغني بصورة مجموعة.

إما في الادب العربي فان المسرحية الشعريةمن مولدات العصر الحديث دخلت إليه بعد حملة نابليون على مصر وذلك لأن فن التمثيل لم يترعرع عند العرب الا في وقت متأخر، (ولنا بحث في هذا الباب يأتي بعد ذلك) فلم يشاهدالشعر العربي مسرحاً يمثل عليه أدواره ولم تكن عند العرب دور للتمثيل لا في العصر الجاهلي ولا في عهد الخلفاء ولا عند الامويين ولا العباسيين حتى انقشاع عصر الفترةالمظلمة، ولا ريب أن عدم وجود المسرحية الشعرية في الشعر العربي لا ينقص من قيمة هذا الشعر لان الشعر العربي في طبيعته ملائم كل الملائمة لهذا الباب من فنون الأدب ولانالشعر العربي في الحقيقة ما هو إلا قصة الحياة العربية في سهول بلاد العرب وهضابها وصحاريها ووديانها، والمرآة التي انعكست عليها آراء المجتمع العربي وفلسفته ومُثلهوعواطفه؛ ولا أعدو على الحقيقة إذا قلت(إن الشعر العربي مجموعة مسرحية تمثيلية مثلت فصولها العرب في جميع أدوارهم السياسية والاجتماعية وعبرت على كل لون من ألوانالمجتمع في مختلف أقطارهم وبيئاتهم).

إن الشعر العربي يحوي بين ثناياه كثيراً من القصص والحكايات وتخلل هذه القصص الشيء الكثير من الحوار والحديث لشخصين أو أكثريتناول حادثة من الحوادث ولكن يجب أن لا يغرب عن بالنا ان ليس اطراد من هذا الحوار الشعري أن ينشد من قبل شخصين منفصل كل منهما عن الآخر بقصد بيان حادثة أو حوادث معينة-كماهو في الحال المسرحية الشعرية وإنما المراد في هذا النوع من الشعر التعبير عن حادثة وقعت للشاعر مع فرد من الأفراد أو جماعة من الناس فيروي الشاعر لسامعيه(وقارئي شعره) ماحدث له بأسلوب يصور فيه الحادث تصويراً يقربه من الواقع ويحاول لغرض الإبداع في التصوير أن يكون وصف الحادث حاوياً جميع ما للحادث الاصلي من أسباب وملابسات وظروف فيعرضهامجتمعة وكأنه بذلك يعدلنا جو الحادث اعداداً ويهيء لنا بيئته الواقعية، وكثيراً ما يلجأ إلى بيان الزمان والمكان فيحدد الوقت، ويعين المحل ويذكر الحوادث والاشخاص وكل ماله صلة بذلك. وقد يضطر إلى وصف الاشياء المادية من ألبسة أو اثاث أو غيرها، على نحو ما تستعمل في الاداب الحديثة الراقية والأمثلة على هذا النوع من الشعر كثيرة في الأدبالعربي تفوق العد والحصر.

ومن أحسن الأمثلة على هذا الشعر قصائد عمر بن أبي ربيعة وحواره وأوصافه لما يقع له من مغامرات وحوادث غرامية وبالرغم من كل ما تقدم نجدان الشعر التمثيلي المنطبق على قوانين الفن واصوله الصحيحة الحديثة أي الشعر الذي يكون أداة للتمثيل على خشبة المسرح والذي يشكل الحوار فيه القسم المهم في رواية ذاتحوادث متسلسلة منسجمة تأخذ فيها الحوادث الواحدة بعنق الأخرى حتى تبلغ شدة تأزمها او انفراجها في العقدة التي يعقبها الحل وبالحل تنتهي الرواية نقول ان هذا النوع منالشعر دخل إلى الأدب العربي بتأثير الاداب الغربية واتصال العرب بالاوربين بعد الاحتكاك الذي حدث في فجر النهضة الحديثة، وقد حمل الاطلاع على نواحي التفكير الغربيالعرب على ان يتجهوا إلى معالجة المواضع التي يفتقر إليها ادبهم ومجتمعهم فسرعان ما قامت جماعة من أدباء العرب وخصوصاً السوريون منهم فنظموا في المسرحية وكانت المآسي هيالغالبة في هذه المسرحيات وأول ما ظهر من المسرحيات الشعرية في الادب العربي هي مآسي الاستاذ خليل اليازجي(1856-1889)(المعروفة بالمروءة والوفاء) وهي مأساة طويلة يتجاوز عددأبياتها ألفي بيتاً، نظمها الشاعر بعد أن اقتبس حوادثها من الادب الجاهلي من قصة معروفة عند العرب القدماء. ولم يقتصر هذا النشاط على اليازجي وانما نشط كثير من السوريينفي معالجة المسرحية الشعرية وان كان ذلك في فترات متفاوتة وقد كثر صدور هذه المسرحيات بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى كان من أهمها مسرحية أصدرها الاستاذ الشاعر سعيدعقل وأسماها(بنت يفتاح) ثم التراجيديا الشعرية التي أصدرها الاستاذ الدكتور علي ناصر في حلب وأسماها(سلوى) ثم أصدر الاستاذ الشاعر عمر ابو ريشة في حلب أيضاً مسرحيةشعرية-ويطلق عليها المحكمة الساتيرية-وأسماها محاكمة الشعراء. ومن يقرأ هذه المسرحيات يلاحظ لأول وهلة انها تمزج بين الكلاسيكية والرومانتيكية ولا تترسم مذهباً معيناًمن المذاهب الادبية الحديثة فأكثرها ليس له طابع مستقل بين مذاهب الأدب.

ولذلك يرى قسم من الادباء تسمية هذه المسرحيات بالمآسي شبه الكلاسيكية ويجب أن لا يفوتناان الفن الشعري في هذه المسرحيات يفوق الفن التمثيلي فيها بمراحل كبيرة، لان مؤلفي هذه المسرحيات شعراء قبل ان يكونوا مؤلفي مسرحيات ولهذا كان الفن التمثيلي وصلاحهاللتمثيل ضعيفين وكيفما كان فقد قدم هؤلاء خدمات جليلة في هذا المضمار فظلوا ينيرون الطريق لغيرهم من الادباء إلى ان نزل إلى الميدان جماعة من الادباء المصريين-وقد كانللمصريين السبق في المسرحية النثرية-وقد حاول هؤلاء ان ينهضوا بالمسرحية الشعرية ولكن مسرحياتهم لم تنل المكان اللائق كما يتوقع لها فكانت مسرحياتهم تنحدر في الهبوطوترتفع حسب الأشخاص والظروف إذا قيست بالمسرحيات الناجحة المستوفية لقواعد الفن الصحيح في التأليف المسرحي. واشهم من قام في هذا الباب الشاعر الكبير أحمد شوقي والأستاذالشاعر عمر أبو شادي، وقد حاول هذان الشاعران أن يجعلا المسرحية الشعرية في مكان ممتاز في الأدب الكلاسيكي فنجح شوقي في ناحيتي الموضوع والاسلوب الشعري ولكنه لم ينجحالنجاح المطلوب من الناحية الفنية التمثيلية، ولقد اقتصر شوقي في مسرحياته على المواضيع التأريخية فكان ما فيها من قيم أخلاقية وحكم مقيداً بروحية ونفسية الاقوام التينظم شوقي مسرحياته على لسانهم فلم تكن صور هذه المسرحيات وحوادثها منتزعة من روحية العصر الذي يعيش فيه الشاعر، ولا يخفى ان هذه الصور وهذه الحوادث المقتبسة من الماضيتفقد الحرارة التي تكون في الصور والحوادث الحية القائمة في المجتمع الحديث ولذلك فقد جاءت هذه المسرحيات ضعيفة التوجيه ضعيفة الأثر في معالجة المجتمع، هذا التوجيهالذي تهدف إليه المسرحية الناجحة عادة. على ان مسرحيات شوقي قد بزت قسماً غير قليل من أقرانها ولكن ما أصابته من النجاح يعزى إلى حسن اختيار الشاعر إلى موضوعه الذي توخىفيه ارتباطه بعواطف قرائه من جهة وبتأريخهم من جهة أخرى كما هو الحال في مسرحيته مجنون ليلى ومصرع كليوباترا، هذا بالاضافة إلى شاعرية شوقي التي استغلها في التلاعب بعواطف مستمعيه وقارئيه، وقد نظم شوقي ست مسرحيات شعرية هي مجنون ليلى ومصرع كليوباترا وقمبيز، وعلي بك الكبير وعنترة، والست هدى، وأبرز هذه المسرحيات مسرحيتا مجنونليلى ومصرع كليوباترة. وتعتبر جميع هذه المسرحيات محاولات للوصول إلى المسرحية الشعرية الناجحة وفي مصر وغيرها من البلاد العربية جماعة كبيرة نزلت إلى هذا الميدان فيالسنوات الاخيرة وأخذت تتعاطى النظم في المسرحية الشعرية وتحتوي كثيراً منها على عناصر فنية قوية. ونكتفي بهذا القدر في هذا الباب رغبة في الاختصار.

اسم المجلة: الشعاع مكان الاصدار: النجف الأشرف

العدد: 8 تاريخ الاصدار:30شوال367هـ

الصفحة:200 سنة المجلة: السنة الأولى