من مجالس النجف الأدبية
مجلس العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء
كاظم محمد علي شكر
من المجالس الكبرى التي ورثتمجالس آل كاشف الغطاء والتي كانت بدايتها في عهد الشيخ الكبير الزعيم الإسلامي المجاهد بالسيف والقلم الإمام الشيخ جعفر صاحب كتاب كشف الغطاء وهو عنوان هذه الدوحةالدينية - العلمية العربية النجار والتي تقلدت الزعامتين الدينية والدنيوية منذ أكثر من قرنين من الزمن واحتفظت بهما كابرا عن كابر.
تقول : من بين تلكم المجالسالعتيدية كان مجلس العلامة سماحة الشيخ علي نجل العلامة الشيخ محمد الرضا آل كاشف الغطاء رحمهما الله تعالى.
حضرت هذا المجلس مرارا وتكرار وكنت فيه من اللذينيشترون ولا يبيعون - إنْ صح التعبير - أي كنت استمع أكثر مما أقول وكانت هيبة العلم وسؤدد المجد تهيمنان على رواد هذا المجلس العتيد,من العلماء والأدباء والزعماءوالوجوه,لأنه كان محطات لعلية القوم وكان انعقاده في الصباح والمساء والليل,وكانت المسائل العلمية والمطرحات الأصولية والمناقشات الفقهية والأمور الدينية الأخرىوالمباريات الأدبية تتخذ من تلكم المجالس مسرحا للعرض والأخذ والرد,وعندما تطرح المسائل الصعبة يتبارى الحضور من العلماء والأدباء والفقهاء في إيراد الأجوبة المناسبةلها مع ذكر الأدلة والبراهين والمصادر العلمية التي تناولتها.وكان المغاوير من فرسان العلم وجهابذة الأدب تتطاول ألسنتهم في الإجابات السريعة والحلول العلميةالمناسبة,وكان سماحة العلامة الحجة الشيخ علي كاشف الغطاء رحمة الله عليه ربان سفينة ماهر,يقود مجلسه من مقام إلى آخر قيادة عالم بعين خبير مجرب فتراه يعطي الكلام إلىأصحاب الاختصاص ويحميه من الطفيليين,لئلا يذهب الوقت سدى وبلا فائدة وبهذه الريادة المدبرة تكون الإجابة جاهزة والمناقشة هادفة,والسلوكية مرضية.وقواعد العلم وشروطالكلام مرعية وهذه هي الآداب التي تعارفت عليها المجالس النجفية طوال تاريخها المتصل بأواخر عهد الدولة العباسية العتيدة.
فمجلس سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء(قدس سره) كان بحق مجلس فتاوى وفقه وأصول وشرع وأدب,نعم هكذا كان ولذا كان رواده متعددي الاختصاصات ونحن لا نغالي إذا قلنا: إنّ مجالس آل كاشف الغطاء,كانت بحق مدارس النجفقبل وبعد تأسيس المدارس المعروفة اليوم,ورحم الله القائل:
يا آل كاشف الغطاء طوبى لكم
ولعلم لما يزل في دوركم
للدين والدنيا ذخائركم
والدرسقرآنه مدارسكم
لقد ورث مجلس سماحة العلامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء مجالس آبائه وأجداده,وكان انعقاده في نفس البيت الذي كانت تنعقد فيه مجالس أسلافهالصالحين هذا ومن فضل الله تعالى على هذه الدوحة العربية - الإسلامية أن حصل رواد مجلس العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء من نفس سمت رواد السلف الصالح من الرعيلالأول,فالتماثل والتشابه فيما يطرح اليوم في مجلس الشيخ علي هو هو الذي كان يشغل مجالس الرواد الأول.
هذا ولولا ضيق المجال لذكرنا أسماء العلماء والأدباء الذينكانت تتراصف عمائمهم وتتزاحم مناكبهم في مجالس (اليسع) كما اصطلحوا عليها هذا وما أروعهم حينما ينهضون جميعا ليوسعوا المجلس لقاء مع كبار القوم العلماء أو الأدباءفيتجلسونه في المكان المناسب له,وبعد أن يأخذ مكانه في الجلوس,تمتد الأعناق لتصبحه بالخير أو تمسيه وتراه يرد عليهم التحيات بأحسن منها.
وبهذه الأخلاق الرفيعةوالعادات والتقاليد العالية كانوا يحلون مجالسهم ويوقرونها وكان الشيخ كاشف الغطاء يحي الجميع ويوقر الجميع ويحترم الجميع,وكان(قدس سره) إذا ما فرغ القوم من نقاشهمواستراحوا من عناء الجدال وهراع المسائل وصياغة الأجوبة ,كانوا يميلون إلى الشعر والأدب والفكاهة وذلك تنقيا للهموم وترويحا للنفوس وابتعادا عن مشاكل الدنيا فكان لابدأن يرتجل أحدهم بيتاً من الشعر أو أكثر ويطلب من الحضور تضمينه أو تشطيره أو معارضته أو عندما تأخذ الأقلام دورها في تسجيل ما ينظم من الشعر يقرأ كل فرد منهم ما أشجتهقريحته على المجلس.
ومن المطارحات الأدبية الرائعة التي شهدها هذا المجلس العتيد أنّ أحد الأدباء سأل الشيخ عن رسالة قيل: إنها وردت من بلاد الصين إلى الشيخالكبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء (قدس سره) وفيها يصف المرسل أهل النجف الأشرف بوصف أهل الجنة,بينما يصف بلاده الصين,بوصف أهل النار وذلك ببيتين من الشعر فقال له سماحةالعلامة الشيخ علي كاشف الغطاء (قدس سره) ليس الأمر كما روي والصحيح أنّ الرسالة بعثها عالم من (الصين) إلى العلامة السيد مهدي بحر العلوم وليس إلى الشيخ جعفر كاشف الغطاءرحمهما الله تعالى وقد ضمن ذلك العالم رسالته ببيتين من الشعر ضمنها محاورة أهل النار لأهل الجنة بصدد الماء والضمأ والورد وهما:
ألا قل لسكان ارض الغري
أفيضوا علينا من الماء أو
لقد فزتم بجنان الخلود
فنحن عطاشى وأنتم ورود
فبعث السيد مهدي بحر العلوم (قدس سره) تعالى برسالة إلى ذلكالعالم الصيني ضمنها إجابته على البيتين المذكورين ببيتين من الشعر أيضا وهما:
ألا قل لموكولا يرثى من بعيد
لنحن على القرب نشكو الصفى
ديارالحبيب بعين الشهود
وفزتم على بعدكم بالورود
بهذه المصداقية وهذه العبقرية العالية,وتلك الحافظة الراقية لتاريخ الأدب, كانت إجابة سماحة الشيخ علي (قدسسره) هذا وبعد أن رحل الشيخ إلى جوار ربه,تسلم قيادة ذلكم المجلس العتيد نجله سماحة العلامة الدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء يساعده في إدارته وتدبير شؤونه أخواه:العلامةالشيخ أسعد كاشف الغطاء والعلامة الشيخ ذو الفقار كاشف الغطاء وإن هذا المجلس ما زال عامرا برواده,وما زال سالكا نهج مجالس الآباء والأجداد.
أما سماحة العلامةالدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء فالحديث عنه من سمت الحديث عن آبائه وأجداده فهو والحق يقال ربان سفينة ماهر لا تزعزعه العواصف,ولا تضعف من همته الزوابع,ولا توقف مساعيهالمزعجات,وقد خصص الكثير من جهده وجهوده إلى مؤسسته الجديدة العتيدة الذخائر وهي مؤسسة علمية مكتبية اعتمدت أحدث الطرق لحفظ كتب التراث وصيانتها من التلف أو التلاعبفاستعملت أجهزة (الكمبيوتر) الحديثة لتسجيل الكتب النمطية التراثية,بمختلف أنواعها (العلمية - الأدبية - والاجتماعية) وغيرها وفي مقدمتها الكتب الخطية التي حبرتها أقلامعلماء وأعلام آل كاشف الغطاء.
وبالختام نرجو لهذا المجلس الشامخ الاستمرار في منهجية السلف الصالح إحياء لعاداتنا وتقاليدنا العربية الإسلامية الخالدة.