حریة و الاخاء و المساواة من المبادئ الاساسیة فی الإسلام

محمد حلمی عیسی باشا

نسخه متنی
نمايش فراداده

الحرية والإخاء والمساواة من المبادئ الاساسية في الإسلام

الحرية والإخاء والمساواة من المبادئ الاساسية في الإسلام

لحضرة صاحبالمعالي محمد حلمي عيسى باشا

من توفيق الله أن اختارت (جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية)(1) لمجلتها عنواناً متضمناً غايتها، جامعاً لأهدافها، وهو (رسالةالإسلام)، فإن رسالة الإسلام تنطوي على تبليغها لأهله فيعملون بأحكامها، ويتبعون أوامرها ونواهيها ولغيرها، فيفهمون سماحتها وعدلها، ويقفون على ما تقضي به من مساواةبين الناس جميعاً، وحرية وأمن، ويسلمون بفضائل الإسلام، وبأنه دين يسر لا دين عسر، وبأنه صالح لكل زمان ومكان، يقر للفرد بحقه وللأسرة بكيانها وحرمتها وللعقائد الدينيةباحترامها، وحرية إقامة شعائرها، وللدولة بنظامها وسلطانها في حدودها المشروعة، ويوحي بأن الله يؤتي الحكمة من يشاء، ويبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وينهى عن الغدروالخيانة، وعن الاثم والعدوان، وأن لا عقاب الا بعد النهي والتحذير (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).

لذلك اخترت الموضوع الذي اتخذته عنواناً لأنه بلغّه العصر الحديثشعار الديموقراطية عند الافرنج، والجامع لحقوق الإنسان التي أعلنها الفرنسيون في أواخر القرن الثامن عشر إبان الثورة الفرنسية بعد أن قررتها جمعيتهم الوطنية وهميجملونها في هذه الكلمات الثلاث (الحرية والإخاء والمساواة) ولأبين أنها من أسس الدين الإسلامي منذ نشأته أي من نحو أربعة عشر قرنا.

يتغنى بهذه المبادئ كتاب الافرنج،ويفخرون بأنها سرت سريان الضوء في جميع الشعوب الاوروبية التي تقبلتها قبولا حسناً حيث صادفت هوى في افئدة أبنائها كما تلقفتها جميع البلاد المقهورة على أمرها، والواقعأنها اخرجتهم

*(هوامش)*

(1) حضرة صاحب المعالي محمد حلمي عيسى باشا هو أحد الاعضاء المؤسسين لجماعة التقريب.

 

/ صفحه 131/

من الظلمات إلى النوروقضت على ما كانوا يرزحون فيه من قيود الاستبداد والاستعباد حيث كان الفرد يلقى في غياهب السجون بلا ذنب معين، ولا زمن محدد حتى يكاد ينسى إلى أن يأتيه القضاء المحتوم،وبددت نظام الاقطاعات التي كان يسودها سيد مطاع، لا معقب لأمره، له السيطرة التامة على مسوديه في الأموال والأرواح.

ومن يتأمل ير أنها في ذلك الوقت وهو وقت إعلانهاووقت شيوعها وذيوعها لم ترن هذا الرنين، ولم تطن هذا الطنين، في أهل البلاد الإسلامية، لأنه لم يكن لها من أثر في أنظمتهم ولا في حياتهم العامة أو الخاصة، فلم يعتبرالإسلام الفرد مسلوب الارادة، مهضوم الحق لا يملك لنفسه أمراً. وقد جاءت تعاليم الشريعة السمحة وأوامر القرآن الكريم، بالمساواة وبالحرية بين الناس، ومنعت الفوارق، فلميكن لعربي فضل على أعجمي الا بالتقوى، وأوحت بالإخاء (انما المؤمنون أخوة) ونظمت أفرادهم جميعاً في عقد واحد، لتجعل منهم أمة واحدة (إن هذه امتكم أمة واحدة وأنا ربكمفاعبدون).

أما في البلاد الاوربية حيث كان الحال كما صورنا فقد وجب على أهلها أن يهللوا، وأن يستبشروا، بتلك المبادئ وبضرورة احتضانها، ولذلك بادروا بتسجيلها،والعلم على تثبيتها، فشرعوا يضمنونها دساتيرهم، ويبنون على أساسها أنظمته النيابية، واعتبروها حقوقاً مقدسة، لا محيد عنها ولا محيص، وأوجبوا احترامها، وعدم البعث بها،ليتمتع بها بنو البشر جميعاً، ومن لم يسر على هداها كان طاغياً، مستبداً، عابثاً بالحريات وبالكرامة الانسانية، قاضياً على المواهب التي اودعها الله عباده، واختص نفسهبهبتها، فهو الذي يؤتي الحكمة من يشاء، فإذا كممت الافواه، وخفتت الاصوات، وخنقت الحريات، وخرست الالسن ولم يعد يشعر الإنسان بحرية في تفكيره وعقيدته، وقوله وعمله، فلنتبرز له كفاية ولن تنمو مواهبه، ولن يخصب ذهنه، وإذا أحس أنه دون أخيه مرتبة في الإنسانية شعر بالمذلة والهوان، وفترت همته، وقعدت عزيمته، ولم يأت نشاطه

/ صفحه 132/

بكل ثماره إذ يعمل لحساب غيره لا لحساب نفسه، ولا يرى أن كل نفس بما كسبت رهينة، وأن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، ولا يعيش قرير العين مطمئن البال، هادئ النفس.

لهذا أخذت جميع الدساتير تبني أحكامها على هذه الاسس، واعتبرتها شعار الديمقراطية الحقة التي تقضي بالمساواة والحرية وحكم الشعب لنفسه، وأنه مصدر السلطات، وقد جاءالإسلام من قبل بهذا الحكم فجعل الله أمور المسلمين شورى بينهم، وأمر نبيه عليه الصلاة والسلام بمشاورتهم في الأمر.

نقلت الدساتير بعضها عن بعض هذه الاحكام، وعلىنهجهم سار الدستور المصري أخذا بلغة العصر الحديث. مع أنه نص على أن دين الدولة الإسلام علماً من واضعية بأن هذه المبادئ لا تخالف روح الإسلام، ولا تناقض أحكامه وأوامرهونواهيه، وقد جرى عليها اهله منذ ظهور الإسلام. وربما كان من المفيد بيان تلك المبادئ ليعلم المطلع مقدار تطابقها وتماثلها.

تنص الدساتير على أن جميع الافراد لدىالقانون سواء، وأنهم جميعاً متساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الاصل أو اللغة أو الدين، وأن حريتهم الشخصية مكفولة، فلا يجوزالقبض على أحد ولا حسبه الا بمقتضي القانون، وتجعل لمسكنه حرمة ولملكيته حرمة لا يجوز العبث بهما، وتجعل حرية الرأي مكفولة، ولكل انسان أن يعرب عن فكره بالقول أو الكتابةفي حدود القانون، ولا تقيد حريته في أي شئ ما لم يحرمه القانون، ثم أطلقت له حرية الاعتقاد، وأوجبت على الدولة حماية حرية القيام بجميع شعائر الاديان والعقائد.

هذه هيحقوق الإنسان الشاملة لحريته.

وقد سارت البلاد الاوربية على هذا النهج حتى نهاية الحرب العالمية الطاحنة الاخيرة، وبدأت تظهر في الأفق غيوم تتلبد، وسحب تتكثف، تنذربالويل والثبور وعظائم الامور، وانقسم العالم الاوربي إلى كتلتين: كتلة شرقية محورها

/ صفحه 133 /

الاتحاد السوفيتي وما يدور في فلكه من بلاد البلقان، وكتلةغربية تتناول سائر بلاد أوروبا الغربية وتؤازرها امريكا.

ولقد اشتد الخلاف بين الفريقين، وانقلب اتحادهما الحربي الذي كان قائماً أثناء الحرب الاخيرة لقمع النازيةالألمانية، إلى عداء مستحكم منذر بشر مستطير ومظهر لانشقاق عميق في أنظمة الحكم بين نظام الديمقراطية من جانب، ونظام الشيوعية من جانب آخر، وأخذوا يتقاذفون التهمويجهرون بالسوء، ويعلنون المساوئ والنقائص.

وترى الانقسام والشقاق واضحاً جلياً في صحافتهم وإذاعاتهم وأحاديثهم السياسية ومناقشاتهم في مؤتمراتهم، وأدى خوف كلفريق من الآخر إلى أن جعله يصرف وقته وماله في تهيئة نفسه للتسلح والكفاح واختراع الأدوات المدمرة والأسلحة الفتاكة المهلكة التي قد تؤدي لفناء البشرية، والقضاء علىالمدنية، وذلك في الوقت الذي بدأت تجاهد فيه شعوبهم لإصلاح ما خربت الحرب من مساكن كانوا يأوون اليها، وما أهلكت من زرع، وضرع كانوا يقتاتون منه، وما يجددونه من صناعةانهارت لتأمن أنفسهم من الجوع والفقر.

وليس يعنينا في هذا المقام من ذلك كله سوى بيان أثره في الناحيتين: الدينية والاجتماعية، وما تتأثر به حقوق الإنسان التي قدسوهاوأشادوا بفضلها، وما حاق بها نتيجة لهذا الشقاق والانقسام، ومرجعنا في ذلك كله إلى ما تأتي به أنباؤهم ورواياتهم، وما يشاهد من واقع محسوس.

وتنعى الكتلة الغربية علىالاتحاد السوفيتي وأتباعه أنهم ينشرون الشيوعية الدولية، ويبشرون بها في سائر بلاد العالم، حتى اعتنق مذهبهم شيع من اهلها، وأنهم يرمون إلى قلب النظم الاجتماعية، وهدمالديانات، والتشكيك في العقائد السماوية والاستعاضة عنها باعتناق مبادئ هدامة مدمرة، ويدعون أشياعهم لاضطهاد رجال الدين وتعذيبهم وإلقائهم في السجون بناء على محاكماتصورية، واعترافات مغتصبة، والحض على الاضراب والاغتصاب، وتخريب المنشآت العامة أو تعطيلها

/ صفحه 134/

المؤدي لحرمان السكان الآمنين من الماء الذي يشربونه،والنور الذي يستضيئون به، والمواصلات التي تنقلهم إلى مراكز أعمالهم، والإغراء على الاغتيالات بغية الاستيلاء على الحكم عنوة واقتداراً بلا مبالاة لأثر ذلك في الفتكبأرواح الابرياء الذين لم يرتكبوا ذنبا، ولم يقترفوا جرماً، وتوحي إليهم بالتجسس وخيانة الوطن، والقعود عن الدفاع عن حوضه إذا غزاه الاتحاد السوفيتي أو اعتدى على أرضه.

وقد سعى رجال السياسة من أهل الديمقراطية إلى العمل لإظهار حقوق الإنسان وإعلانها بغية الوصول إلى كسب شعوب الاتحاد السوفيتي لجانبهم، وإظهار مكنون خفاياه وماتضمنه، ولكن خاب فالهم، وضاع رجاؤهم، وأعرض عنه رجال السوفييت أثناء اخذ الآراء أمام هيئة الامم المتحدة، ورفض ممثلوه إعطاء أصواتهم والموافقة على الحقوق الاتية:

الحق في حرية الفكر والضمير والدين وحرية التنقل والاقامة داخل حدود الدولة، والحق في ترك بلد الفرد والعودة إليها بحرية، والحق في الاشتراك في الثقافة، كما امتنع عنإعطاء صوته في الحق العام الاتي، وهو ان كل انسان يولد حراً متساوياً في الكرامة والحقوق، بلا سيطرة على عقله وتفكيره وأن له الحق في الاتصال بالاخرين بروح الأخوة، وكانمن أثر هذا الشقاق والانشقاق أن قررت هيئة الامم المتحدة إعلان حقوق الإنسان، وقررت انشاء محكمة عليا للدفاع عنها.

يدلنا ذلك على أن الأقوام انقسموا فيما بينهم، فيمايتعلق بحقوق الإنسان ومشتملاتها بينما هي راسخة الاصل في العالم الإسلامي من وقت نشأة الإسلام، وظهور رسالته على يد رسوله الكريم.

ولا يزال كذلك الخلاف قائماً إلىيومنا هذا في أمريكا وجنوب أفريقيا بسبب الاجناس والألوان فلا يحل لجنس ان يجلس مجلس الاخر أو يرافقه في مدارسه أو ينتقل معه في مكان واحد في مواصلاته، أو يجالسه حتى فيمحلات

/ صفحه 135/

اللهو أو المشارب، وتقدمت امريكا للكونجرس بقانون يمحو الفوارق بين الألوان الأبيض والأسود والأصفر، ويجعل الجميع سواء في الحقوق والتمتعبها، ولكنه لم يصدر إلى الان ولم يصبح قانوناً معمولاً به.

هذا ما يقع اليوم، فهل سمع بمثله في عرف الإسلام من يوم نشأته وتدرج فتوحاته الواسعة، أم جعل الناس سواسية،لأن الله خلقهم من ذكر وأنثى، وأمر بمعاملتهم بالعدل والاحسان.

وتذيع الكتلة الغربية فوق ذلك أن الشيوعيين يصدرون تعليمات سرية للأحزاب الشيوعية في البلاد الاجنبيةتقضي باضطهاد القسس لإرغامهم على الانضمام إلى الشيوعيين والانخراط في سلكهم، والتبشير بمبادئهم من فوق منابر الكنائس ودحض الدعايات المناهضة للشيوعية، والمعاديةلروسيا.

وجزعاً وفزعاً من ذلك، هب جميع رؤساء الكنائس في روما وانجلترا وغيرهما، يبينون للناس سوء ما عمل الشيوعيون من عسف وظلم وافتراء ويحذرونهم من الوقوع في شركهمالمؤدي للإلحاد، والكفر بالديانات، وينادي بابا روما بضرورة التمسك باسباب الدين، لأن الأمم لا تعيش بغير معرفة الله.

ولا نعجب، إذا رأينا رجال الدين المسيحي يقومونبزيارة رجال الدين الاسلامي، ويطلبون إليهم أن يتضافروا معهم لمكافحة قوى الشر والمدمرة التي تهدف إلى القضاء على الكرامة البشرية، والعقائد الدينية، وتستعبد الإنسانبدعوى العمل على إسعاد الطبقات العامة والعمال.

وكان من نتائج ذلك أن تبين خطأ الظرية القائلة بفصل السلطة المدنية عن السلطة الدينية فصلا تاماً، فقد تبينت البلادالإسلامية بعد ما مس شيطان الشيوعية بعض أفرادها، أن تعاليم الدين الاسلامي، وتشبع افراده بروحها، أو إحياء تعاليمها من أقوى العوامل لمناهضة الشيوعية ووقف تفشيها.

فهذه تركيا قررت أن تعلم الدين في مدارسها، وأن يتلى القرآن في مدارسها

/ صفحه 136/

باللغة العربية. وهذه باكستان قررت أن يقوم نظامها على أساس التعاليمالإسلامية، وأن تضمن لأهل الأديان الأخرى حرية عقائدهم ومذاهبهم، فإنه دين يأمر بالعدل والاحسان، ودفع الأذى بحسن الصنيع، قال تعالى (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينكوبينه عداوة كأنه ولي حميم).

وينعى الاتحاد السوفيتي على الكتلة الغربية، أنها تعمل على إثارة حرب عاتية لمناوأتها ترجو من ورائها تحقيق أغراض استعمارية واقتصادية،ولكنها لا تدفع عن نفسها ما يعزى إليها من إحداث شغب واضطراب وفتن وقلاقل مدعية لنفسها أن بلادها ديمقراطية حقاً، وانها تحكم بقوة الشعب وحكوماتها ليست بحكوماتديكتاتورية.

وخلاصة القول أنه يظهر أن لا عاصم لهذا الخلف والخلاف الا بقوة السلاح والفتك بالارواح، فقد أنشأت الدول الاوروبية اتحاداً اوروبيا، تسعى لتدعيمهبالاتفاق مع دول أخرى، تعاضدها إذا قامت حرب، واشتعل لهيبها، واستعر أوارها، وهي ناحية لا محل لبسطها هنا، لأن قوام بحثنا الدين وأثره، وحق الفرد وما يجب أن يتمتع به،وأن وازع الأديان خير من وازع السلطان.

والمتأمل يرى أن مبادئ الإسلام الشاملة لهذه الحقوق لم تأت نتيجة لثورة قامت، ولا حروب نشبت، وإنما ظهرت بظهور الإسلام فجاءبها القرآن الكريم وحضت عليها السنة المحمدية، وعمل بها الخلفاء وأولو الامر من الحكام المسلمين.

وإني ـ وإن كنت قابلت فيما سبق بين بعض احكامها، وأحكام المبادئالحديثة ـ أعود إلى تلخيصها فيما يلي، لأن المقام لا يتسع للبسط والإفاضة:

في الإخاء:

قال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) فذكر الاخاء اطلاقاً، ولم يجعل فارقابين حاكم ومحكوم، ولا سيد ومسود، وإنما جعلهم جميعاً سواء (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم) فالفضلبينهم بالتقوى والعمل الصالح والعدل والاحسان، والحض

/ صفحه 137 /

على التعارف حض في نفس الوقت على نزع الغل والحقد والعدوان. ونهي عن الاثم، ومن آيات التعارفعند المسلمين أن يأتي المسلمون لحج بيت الله من كل فج عميق، ومن شعوب مختلفة وبلاد متباعدة يجمعهم صعيد واحد، ويرعون ربهم في يوم واحد ووقت واحد، وهو يوم عرفات، ويتساوونفيه جميعاً بارتداء رداء واحد، حتى لا يكون تمييز بين أمير وحقير وغني وفقير، بل الكل أمام الله سواء، أكرمهم عند الله أتقاهم.

في العدل:

أمروا أن يحكموا الناسبالعدل (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل) ومضمون ذلك أنهم أمام القانون سواء، ولا يحق عليهم عقاب إلا بعد النهي والتحذير (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) وما أمرهمبه الله أ خذوه، وما نهاهم عنه انتهوا.

وقد أمرهم باحترام دين غيرهم (لكم دينكم ولي دين) فاحترموا الديانات الأخرى، وصانوا اهلها ومعابدها، وتركوا لهم حرية اقامةشعائرهم وممارسة طقوسهم كما يشاءون.

تركوا لرؤسائهم أن ينظروا في أقضية أهل دينهم، وجرى الحال على هذا المنوال لعهدنا هذا، وفي أحوالهم الشخصية لا يقضي بينهم حاكممسلم إلا برضائهم، قال تعالى: (فإن جاءوك فاحكم بينهم) وبسطوا على أديرتهم وبيعهم وكنائسهم حمايتهم حتى لا يعتدي عليها معتد أو يبغي باغ، وبلغ من حرص الإسلام أن أشارالقرآن الكريم إلى ما يجعل معابد المسيحين ومعابد المسلمين في مرتبة واحدة في حمايتها وأجرى عليهما حكما واحداً حيث قال: (ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامعوبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً).

فالدفاع عنها جميعاً بمثابة واحدة يتولاه القائمون على أمرهم أفراداً أو جماعات كما تقوم به الحكومات، وهذا منتهىاحترام العقائد وحرية اقامة شعائرها، والدفاع عن حرماتها وكيانها.

/ صفحه 138 /

وكان من أثر ذلك ان رأينا المسلمين والمسيحيين يتكاتفون في الدفاع عن فلسطينوالعمل على إنقاذها من أيدي الطغاة الصهيونيين المعتدين على قوم كانوا في ديارهم آمنين، وينضمون للمسلمين في حماية الأماكن المقدسة وفي بقائها تحت أيديهم لأن تاريخهمالطويل وواقع الحال دلهم على احترام المسلمين لتلك الأماكن وإطلاق الحرية لأصحابها في أداء شعائرهم كما توجبها مذاهبهم بلا عائق ولا مانع.

أباح للمسلم الزواج منكتابية، ولم يرغمها على اعتناق دين زوجها، بينما الاضطهاد قائم لحض الناس على ترك دياناتهم واعتناق المبادئ الشيوعية.

لم يعرف الإسلام نظام الاقطاعات، وجعل كل نفسبما كسبت رهينة، فالله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وجعل نظام التوريث قائما على وضع عادل مانع لحصر الملك في يد فرد واحد كما لا يزال الأمر قائما في بعض البلاد التي تجعلالابن الأكبر يرث التركة جميعها من مال ولقب.

وجرى على اعتبار الفرد حرا من يوم ولادته. ومن الأقوال المأثورة بين المسلمين: فيم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهمأحرارا، وهو الحق الذي رفض الاتحاد السوفيتي الاعتراف به.

لم يعرف تفريقا بين الناس بسبب أجناسهم وألوانهم، كما هي الحال للآن في أمريكا وجنوب أفريقيا كما شرحنا منقبل، بل الناس جميعا سواء في حركاتهم وسكناتهم وتنقلاتهم وتصرفاتهم.

قال عليه الصلاة والسلام: أيها الناس إن ربكم واحد وأباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضللعربي على أعجمي إلا بالتقوى، إلا هل بلغت، اللهم أشهد.

وإذا شاهد أجنبي مساجد المسلمين رأى المساواة التامة بين جميع من أموا بيت الله، فلا يتقدم متأخر على سابقبجاهه أو ماله ورأى الفقير من المصلين يجلس في صف واحد من مليك البلاد وعلمائها ووزرائها لا يستطيع أحد أن يصده عن مكانه، وهل بعد هذا من مساواة.

/ صفحه 139 /

جعلأمر المسلمين شورى بينهم، فلم يقصر على حاكم معين، ولا سيد مطلق التصرف، فقد اختار المسلمون أو خليفة لهم بالبيعة، لا بالحسب ولا بالنسب، ولا بقوة السلاح.

والخلاصةأن تلك الحقوق التي أسموها بحقوق الإنسان وحرياته، والتي يسعون إليها هي حقوق قائمة معمول بها من وقت ظهور الإسلام، ولم تنشأ نتيجة لثورة أو حرب، وعلينا أن نذكر، فإنالذكرى تنفع المؤمنين، وأن ندعو إلى سلوك سبيلها ليتنبه الغافلون عن أمور دينهم الذين لم يتبينوا ما كفل الإسلام من نظام سديد حكيم في جميع المعاملات الدينية والمدنية،حتى لا يخدع أحد بما درس وما قرأ عن المدنية الأوربية في الديمقراطية، وهو لم يدر بخلده أن يدرس ويبحث ويفكر في أصول دينه وما قضى به من أحكام هي أقدم عهدا، وأثبت أصلا،وهي نور الله الذي يريدون أن يطفئوه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

الوحدة سبيل العزة

ما استقامت أمة على سنن الرشاد، ولا تم لها نظام، ولا بلغت ما تريد من المجدوالعز إلا بالوحدة. وما عزت أمة وهابها الأعداء ولا قام فيها عدل وجرت أمورها على الطريق السوي إلا بالوحدة، وأعظم الأمم قوة وأكثرها منعة هي الأمم التي نسيت الجنسياتالتي تسللت منها، ونسيت العصبيات واستحالت كلها إلى أفراد متجانسة في اللغة والدين والعقيدة والغاية، والأمة التي تشعر الطوائف فيها بأصولها التي اشتقت منها، وتشعر بأنهناك فارقا بين طائفة وأخرى، لا تزال تعاني الشدائد.