اعجاز القرآن فی مذهب الشیعة الامامیة

توفیق الفکیکی

نسخه متنی
نمايش فراداده

اعجازالقرآن

اعجازالقرآن

في مذهب الشيعة الاماميّة

لحضرة الكاتب الفاضل الأستاذ توفيق الفكيكى

المحامى ببغداد

نشرت مجلة الأزهر الزاهرة عدة مقالات في اعجاز القرآن و مذهب الصرفة لفضيلة الأستاد الشيخ على محمد حسن العمارى. و قد بسط في مقاله الأخير رأى ابن سنان الخفاجى فيالصرفة، و ابن سنان هو الأديب الشاعر الشيعى صاحب كتاب «سرالفصاحة» و بعد أن سرد الأستاذ الفاضل بالتفصيل أقوال ابن سنان في الصرفة، و مناقشته آراء الرمانى الذى يخالفهفي الرأى، انتهى بذكر مجمل أقوال الخفاجى، من أن أسلوب القرآن لايختلف عن أسلوب الفصحاء من العرب، فمعارضتهم كانت ممكنة لولا الصرفة. و معناها عنده أنهم سلبوا العلوم، وهذا القول من الأقوال التى أشار اليها صاحب الطراز ابن حمزة العلوى عن معنى الصرفة خلاصته: «أن الله سلب العرب العلوم التى لابد منها في الاتيان بما يشاكل القرآن، أعم منأن تكون حاصلة لهم فأزيلت عنهم أو غير حاصلة، و لكن الله صرف دواعيهم عن تحصيلها» ثم قال فضيلة الشيخ العمارى: و هذا مذهب ابن سنان ويظهر أنه مذهب القائلين بالصرفة منالشيعة.

و قد رأيت من المفيد بهذه المناسبة بسط آراء المتقدمين و المتأخرين ممن يعول على آرائهم من فحول علماء الشيعة الامامية و أعاظم المتكلمين منهم على

صفحات(رسالد الاسلام) الغراء، ليقف اخوانهم من حملة القرآن و حماته و دعاته في المشرقين على أن أقوال أئمة الامامية المعتمدة المعتبرة، و المعول عليها عندهم، لاتختلف عن كلامأهل التحقيق من أساطين العلم و زعماه البيان في حقيقة الاعجاز، حتى لقد اشتهر قولهم: «القول بالصدفة كالقول بالصرفة» و قد نسب الى الشيخ الجليل العلامة «المفيد» القولبالصرفة على حد قول النظام و أتباعه من المتزلة في هذه المسألة، كما نسب ذلك الى تلميذه علم الهدى السيد المرتضى، و سنأتى بما يبطل هذا الاحتمال المخالف لعقيدة الشيعةالامامية و أصولها.

يرى الشيعة الامامية كما يرى غيرهم من علماء المسلمين الأجلاء كون القرآن معجزاً خارقاً للعادة، و الاستدلال به على صدق النبى صلى الله عليه و سلملما فيه من ضروب الاعجاز من الفصاحة المفرطة و النظم المخصوص، و الأسلوب البديع، أو هو الأمر الخارق للعادة، المطابق للدعوى، المقرون بالتحدى، المتعذر على الخلق اتيانمثله، و التحدى بتشديد الدال بمعنى المباراة، و طلب الغالبية في الدعاوى. و جاء في تفسير العلامة المحقق الشيخ الطبرسى، و هو ثقة المفسرين الاسلاميين عند تفسيره آياتالتحدى ما يأتى :

«قل لئن اجتمعت الانس و الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا» معناه قل يا محمد لهؤلاه الكفار لئن اجتمعت الانسو الجن متعاونين متعاضدين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن في فصاحته و بلاغته و نظمه على الوجوه التى هو عليها من كونه في الطبقة العليا من البلاغة و الدرجة القصوى من حسنالنظم وجودة المعانى، و تهذيب العبارة، و الخلو من التناقض، و اللفظ المسخوط، و المعنى المدخول على حد يشكل على السامين ما بينهما من التفاوت لعجزوا عن ذلك و لم يأتوابمثله «ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً» و في هذا تكذيب للنضر بن الحارث حين قال: لو نشاه لقلنا مثل هذا، قال أبو مسلم و في هذا أيضا دلالة على أن السؤال بالروج وقع عن القرآنلأنه من تمام ما أمر الله نبيه صلى الله عليه و سلم أن يجيئهم به» .

«أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات و ادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين»معناه بل أيقولون اختلق القرآن و اختراعه و أتى به من عند نفسه، و قيل: ان ههنا محذوفاً و تقديره، أيكذبونك فيما آتيتهم به في القرآن، أم يقولون افتريته على ربك، وحذفلدلالة ما أبقى على ما ألقى، و على هذا، فتكون أم هذه متصلة (قل) يا محمد لهم: «فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، أى ان كان هذا

مفترى على الله كما زعمتم، فأتوا أنتم بعشرسور مثله، في النظم، و الفصاحة مفتريات على زعمكم، فان القرآن نزل بلغتكم، و قد نشأت أنا بين أظهركم، فان لم يمكنكم ذلك فاعلموا أنه من عند الله تعالى، و هذا صريح فيالتحدى، و فيه دلالة على جهة اعجاز القرآن: و أنها هى البلاغة و الفصاحة في هذا النظم الخصوص، لأنه لو كان جهة الاعجاز غير ذلك، لما قنع في المعارضة بالافتراء و الاختلاف،لأن البلاغة ثلاث طبقات، فأعلى طبقاتها معجز و أدناها و أوسطها ممكن، فالتحدى في لآية، انما وقع في الطبقة العليا منها، ولو كان وجه الاعجاز «الصرفة» لكان الركيك منالكلام أبلغ في باب الاعجاز و المثل المذكور في الآية، لايجوز أن يكون المراد به مثله في الجنس، لأن مثله في الجنس يكون حكايته، فلا يقع بها التحدى، و انما يرجع ذلك الى ماهو متعارف بين العرب في تحدى بعضهم بعضا، كما اشتتهر من مناقضات امرىء القيس، و علقمة، و عمرو ابن كلثوم، و الحرث بن حلزة، و جرير، و الفرزدق و غيرهم. وقوله: «وادعوا مناستطعتم من دون الله ان كنتم صادقين» معناه: أدعوهم ليعينوكم على معارضة القرآن ان كنتم صادقين في قولكم انى افتريته، و يريد بقوله من استطعتم من خالف نبينا محمداً صلىالله عليه و سلم في جميع الأمم، و هذا غاية ما يمكن من التحدى و المحاجة، و فيه الدلالة الواضحة على اعجاز القرآن، لأنه اذا ثبت أن النبى صلى الله عليه و سلم، تحداهم بهوأوعدهم بالقتل و الأسر بعد أن عاب دينهم و آلهتهم، و ثبت أنهم كانوا أحرص الناس على ابطال أمره ×، حتى بذلوا مهجم و أموالهم في ذلك، فاذا قيل لهم: افتروا أنتم مثل هذاالقرآن، و احضوا حجته، و ذلك أيسر و أهون عليكم من كل ما تكلفتموه، فعدلوا عن ذلك، و صاروا الى الحرب و القتل، و تكلف الأمور الشاقة، فذلك من أدل الدلائل على عجزهم، اذلوقدروا على معارضته مع سهولة ذلك عليهم لفعلوه.

لأن العاقل لايعدل عن الأمر السهل الى الصعب الشاق، مع حصول الغرض بكل واحد منهما فكيف، ولو بلغوا غاية أمانيهم فيالأمر الشاق، و هو قتله صلى الله عليه و سلم، لكان لايحصل غرضهم من ابطال أمره. فان الكحق قد يقتل فان قيل لم، ذكر التحدى مرة بعشر سور، ومرة بسورة، ومرة بحديث مثله،فالجواب أن التحدى انما يقع بما بظهر فيه الاعجاز من منظوم الكلام، فيحوز أن يتحدى مرة بالأقل، و مرة بالأكثر.

وقد ذكر العلامة الحلى المتوفي سنة 726 هـ، في كتابه «كشفالمراد في شرح تجريد الاعتقاد»: أما اعجاز القرآن فقد تحدى به فصحاء العرب، لقوله تعالى «فأتوا

بسورة من مثله»، «فأتوا بعشر سور مثله مفتريات»، «قل لئن اجتمعت الانسو الجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله و لو كان بعضم لبعض ظهيراً» و التحدى مع امتناعهم عن الاتيان بمثله، مع توفر الدواعى عليه اظهاراً لفضلهم، و ابطالالدعواهه، و سلامة من القتل يدل على عجزهم، و عدم قدرتهم على المعارضة.

وجاء في كتابه: «كشف الفوائد في شرح فوائد العقائد» للخواجه نصير الطوسى، قوله: «اختلف الناس فياعجاز القرآن، فقال بعضهم: ان جهة اعجازه الفصاحة التى لا يمكن لأحد أن يأتى بمثلها ; و قال آخرون: جهة اعجازه أسلوبه و تركيبه الغريب.

و القائلون بالفصاحة، اما لأمريعود الى اللفظ خاصة، فان توقف حصوله على اجتماع الكلمات، فهو قول من جعل اعجازه لأسلوبه، فان الفواصل و الاسجاع اما محصل باجتماع الكلمات و تأليفها، و ان لم يتوقف، و هوقول من جعل الاعجاز لعذوبة الألفاظ و لبراءتها عن الثقل على اللسان، و هو اختيار الحافظ.

و اما ألأمريعود الى اللفظ من حيث دلالته على المعنى، فاما أن يعتبر دلالةالمطابقة أو الالتزام، و قد ذهب الى كل منهما قوم.

و من أعلام الشيعة الامامية الذين أجمعوا على نفى الصرفة، المرحوم الحجة السيد عبدالله شبّر المتوفي سنة 1242 هـ، فقدشرح في كتابه:(حق اليقين في أصول الدين) وجوه اعجاز القرآن، فقال:

قد وقع الخلاف بين العلماء في وجه اعجاز القرآن، هل هو لأجل كونه في أعلى مراتب الفصاحة، و منتهىمرتبة البلاغة، بحيث لايمكن الوصول اليه، و لا يتصور الأتيان بمثله، أو من جهة أن الله تعالى صرف قلوب الخلائق عن الاتيان بمثله، و ان كان ممكناً، و الأكثر على الأول.

و الحق أن اعجاز القرآن لوجوه عديدة، نذكر جملة منها.

1 - مع كونه مركباً من الحروف الهجائية المفردة، التى يقدر على تأليفها كل أحد، يعجز الخلق عن تركيب مثله بهذاالتركيب العجيب، و النمط الغريب، كما في تفسير العسكرى عليه السلام في (الم) قال: معناه أن هذا الكتاب الذى أنزلته هو الحروف المقطعة التى منها (ألف، لام، ميم) و هو بلغتكم،و حروف هجائكم «فأتوا بمثله ان كنتم صادقين».

2 - من حيث امتيازه عن غيره مع اتحاد اللغة، فان كل كلام و ان كان في منتهى الفصاحة و غاية البلاغة، اذا زين و رصع بجواهرالآيات القرآنية، وجدت له امتياراً تاماً و فرقاً و اضحاً يشعر به كل ذى شعور، و نقل أنه كان في الأيام السالفة كل من

أنشأ كلاماً أو شعراً في غاية الفصاحة و البلاعة،علقه في الكعبة المعظمة للافتخار، و القصائد السبع المشهورة، فاذا أنشأ ما هو أبلغ منه رفعوا الأول و علقوا الثاتى، فلما نزل قوله تعالى: «و قيل يأرض ابلعى ماءكو يا سماءأقلعى و غيض الماء وقضى الأمر و استوت على الجودى» رفعوا المعلقات من الكعبة و أخفوها خوفا من الفضيحة.

3 - من جهة غرابات الأسلوب و أعجوب النظم، فان من تتبع كتبالفصحاء، أشعار البلغاء، و كلمات الحكماء، لايجدها شبيهة بهذا النظم العجيب، و الأسلواب الغريب، و الملاحة و الفصاحة، ويكفيك نسبة الكفار له الى السحر لأخذه بمجامعالقلوب.

4 - من حيث عدم الاختلاف فيه، و لوكان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً، فلا تجد مع هذا الطول كلمة خالية من الفصاحة، خارجة عن نظمه و أسلوبه، وأيضاًلاختلاف في معانيه.

5 - من حيث اشتماله على كمال معرفة الله و ذاته و صفاته و أسمائه مما تحيرت فيه عقول الحكماه و المتكلمين، و تذهل عنه ألباب الاشراقيين و المشائيينفي مدة مديدة من الأعوام و السنين.

6 - من حيث اشتماله على الآداب الكريمة و الشرائع القويمة، و الطريقة المستقيمة، و نظام العباد و البلاد، و المعاش و المعاد، و رفعالنزاع و الفساد في المعاملات و المناكحات و المعاشرات، و الحدود و الأحكام، و الحلال و الحرام، مما تتحير فيه عقول الأنام، و تذعن له أولو العقول و الأفهام، ولو اجتمعالعقلاه و الحكماء و العرفاء و بذلوا كمال جهدهم، و سعوا غاية سعيهم في بناء قاعدة لنظام العالم و العباد مثل ما ذكر لعجزوا.

7 - من حيث اشتماله على الأخبار بخفاياالقصص الماضية، و القرون الخالية ممالم يعلمه أحد الاّ خواص أحبارهم و رهبانهم الذين لم يكن النبى صلى الله عليه و سلم معاشراً لأحد منهم، كقصة أهل الكهف، و شأن موسى معالخضر، و قصة ذى النون، و قصة يوسف و نحوها.

8 - من حيث اشتماله على الاخبار بالضمانر و العيوب مما لايطلع عليه الاّ علام الغيوب، كاخباره تعالى بأحوال الكفار والمنافقين، و ما يضمرونه في قلوبهم و يخفونه في نفوسهم، و كان صلى الله عليه و سلم يخبر هم بذلك فيعتذرون.

9 - من حيث اشتماله على الأخبار المستقبلة، و الأحوال الآتية،كما في قوله

تعالى في اليهود.

10 - من حيث خواص سوره و آياته و كلماته، فان فيها شفاء للأرواح و الأجسام، و دفعاً للوسواس و التسويلات.

11 - من حيث اشتماله علىالحكم القويمة و المواعظ المستقيمة.

12 - من حيث انه لايخلق على طول الأزمان، و لايمل منه، بل كلما تلوته و نظرته وجدته طرياً، و هذه الخاصية لاتوجد في غيره.

* * *

و ممن يرى هذا الرأى السديد من الأئمة المعاصرين الامام المصلح أستاذنا الأكبر الحجة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء، فقد جاه في كتابه: «الدين و الاسلام» ما ملخصه:حقيقة الاعجاز هو الكلام الذى يعجز عامة أهل اللسان عن الاتيان بمثله، أو الاتيان بما هو من نسخه، و على طرزه و أسلوبه، كهذا الاعجاز المحمدى، فان وراءاعجازه ما عجز أهلاللسان عن مباراته و أدهشهم. وأعجزهم عن معرفة نزعته و جنسيته، فلم يعرفوا و الى الآن، أنه من قبيل الشعر أو الخطب أو الرسائل أو الرجز أو الهزج أو غير ذلك من أنواع الكلامو أمهات أبوابه، نعم ما عرفوا سوى أنه خارج عن تلك الأنواع غير داخل في شى ء من هاتيك الأبواب، ما أصابوا من حقيقته سوى أنهم ما أصابوها، و ما عرفوا غير أنها غريبة ماعرفوها، و منتهى فساد القول بأن اعجاز القرآن ليس هو بجوهره و ذاته، بل بالحجز عنه و الصرفة دونه، ان ذلك الا راى عازب و قول كاذب، قول من لم يجعل الله له من معرفة البلاغةحظا، و لا حصل من شرائف حقائقها و معانيها الا حكاية و لفظا، فمن ضائقة العجز و الجهالة، لجأ الى هذه المقالة، و ظل يخبط في أمثال هذه الضلالة، و لست أدرى لهذه الشبهة صورةصدق و لباس حق يدعو الى توفر العناية في شأنها، و ايضاح بطلانها، لاسيما و كل من عنى بهذا الشأن و تصدى لعلم بلاغة القرآن قد شنع على هذا القول، و بالغ في بطلانه و احالته،على أن من نسب اليه ذلك لم ينقل عنه

الاستناد الى حجة ولو ضعيفة، و التعويل على شبهة ولو سخيفة، و انما هو رأى رآه، أو احتمال أبداه، و السداد عزيز و الصواب معوز، الابتأييد من الله و لطف منه، و اليه نرغب في ذلك، فانه منتهى الرغبة، و محط نجاح كل حاجة و هو أرحم الراحمين.

و قد أصدر قبل أيام علامتنا الحكيم السيد هبة الدين الحسينى،المشهور بالشهرستانى رسالته (المعجزة الخالدة) تناولت البحث عن أسرار معجزة القرآن و

مزاياه، و وجوه اعجازه، وقد أضاف الى ماذكره صاحب حق اليقين في أصول الدين منالمزايا المتقدمة مزايا أخرى عالية منها.

1 - مسحة البداوة أى عروبة العبائر الممثلة لسذاجة البداوة مع اشتمالها على بسائط الحضارة.

2 - توفر المحاسن الطبيعية.

3 - سمو المعنى و علو المرمى في استهدافه الكمال الأسمى.

4 - اشتماله على السهل الممتنع الذى يعد في الشعر ملاك الاعجاز و التفوق النهائى.

5 - أمثاله الحسنى التىتجعل المعقول محسنا، و تجعل الغائب عن الذهن حاضراً لديه.

6 - معارفه الالهية كأحسن كتاب في علم اللاهوت، و كشف أسرار عالم الملكوت، و أوسع سفر في مراحل المبدأ والمعاد.

7 - تعاليمه العسكرية، و مناهجه في سبيل الصلح و فنون الحرب.

8 - سلامته عن الخرافات و الأ باطيل، التى من شأنها اجهاز العلم عليها كلما تكاملت أصوله وفروعه.

9 - قوة الحجة، و تفوق المنطق.

10 اشتماله على الرموز في فواتح السور، و دهشة الفكر حولها و حول غيرها.

11 - جذباته الروحية الخلابة للالباب، و الساحرةللعقول، الفتانة للنفوس.

ثم قال: أما أنا فقد وقع اختيارى بعد طول اختبارى على وجه واحد، هو الأخير فيما عددناه و هو عندى وجه الاعجاز المقصود في آيات التحدى، أعنىجذباته الروحية(1) الناشئة من كونه كلام خالقنا الرب الحكيم، و هذه الجذبة محسة للشرقى و الغربى و العجمى و العربى، لايناز عنا فيها أحد، أما سائر وجوه

ـــــــــــــــــــــ

1-و ممن لاحظ هذه المزية القرآنية العجيبة أيضاً ثقة الاسلام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء في كتابة «الدين و الاسلام» و العلامة الأستاذالمرحوم السيد رشيد رضا صاحب المنار في كتابه (الوحى المحمدى) و نابغة الأدب و البيان المرحوم الرافعى في كتاب اعجاز القرآن.

 

الحسن و الامتياز، فهى آثار كونهكلام أو مؤثرات معدة في تكوين اعجازه وجذباته الروحية، و حتى ان جمهور العلماء الذين عبروا عن اعجاز القرآن ببلاغته، أرادوا ما أردنا من جاذبيته الروحية.

وجوهالاعجاز:

قال علامتنا حفظه الله تعالى: و لما سبرنا مزايا القرآن البالغة الثلاثين، و اختبرناها على المحك القرآنى، نجحت منها ستة صالحة، لأن تعد من وجوه الاعجاز، وهى:

1 - صدوره من أمّى مثل محمد صلى الله عليه و سلم.

2 - بلاغته الفائقة.

3ـ غرابة أسلوبه.

4 - أنباؤه الغيبية.

5 - جذباته الروحية.

6 - جامعيته لهذهالوجوه.

و صادفت هذه الجهات الست أن لكل منها قائلين من ذوى العلم، و من وراء هذه الجهات الست، جهة (الصرف) و معنى ذلك أن وجه الاعجاز صرف الله لوجوه البلغاء، و السنالأدباء، و قلوب المعارضين عن الاتيان بمثله، فمع هذه التى يسمونها جهة الصرفة أصبحت النظريات في وجوه الاعجاز سبعاً، و قد أفردنا القول بالصرفة عن النظريات الست منوجوه اعجاز القرآن لتباعد بين هذه و تلك و لضعف الحجة و المحجة معاً.

نسبة الصرفة الى المفيد و المرتضى: لم يشتهّر شيخ فقهاء الامية العلامة الشيح الجليل «المفيد»محمدبن النعمان المتوفي سنة 413 هـ و هو رئيس المتكلمين في عصره بالرأى في الصرفة، و لم ينقل عنه علماء الأمة في مختلف تفاسيرهم و مؤلفاتهم و فيها وقفنا عليه من أقوالالمؤالف و المخالف منذ عهده الى اليوم شيئاً من ذلك أما ماجاء في كتابه (أوائل الكلمات في المذاهب المختارات) (1) فلا يحتمل (1) صدوره من شيخ مشايخ الامامية المخالفته لأصولالمذهب، لأنه يقر

ـــــــــــــــــــــ

1-طبع في تبريز سنة 1363 ه.

 

فكرة الجبر التى تنكرها الفرقة الاثثى عشرية أشد الانكار، ولو كان ممن يرى هذاالرأى، لعرف و اشتهر و نقل عن كتابه المشهور «البيان في تأليف القرآن» أو عن آثاره الأخرى الكثيرة التى تقرب من ثلثمانة كتاب في مختلف العلوم و الفنون، و الذى نحتمله بل ونعتقده أن الشيخ المفيد معروف لدى العام و الخاص بقوة الجدل و المناقشة و التمرس بفن المناظرة و المحاورة، و كان كسقراط مع تلاميذه يحاورهم في المسائل الدقيقة لاختبارعقولهم و معرفتهم بما يلقيه عليهم من شبهات المعتزلة من آراء النظام و أصحابه القائلين بالصرفة كأبى اسحاقى النصيبى، و عباد بن سليمان الصيمرى، و هشام بن عمرو القوطى، والمردار، و أبى الحسين البصرى و أمثالهم هذا عدا ما كان ينفرد به من خوض المعارك الكلامية، و المناظرات الفقهية و مجادلانه في المنقول و المعقول في مجالس العلماء والامراء مع مخالفيه فيورد عليهم الآراء و النظريات المشكلة التى يقولون بها حسب مذهبهم، ثم يقارع حجتهم بالحجة، ويفند الدليل بالدليل، و لا يبعد أن مسألة الصرفه كانتاحدى تلك المسائل التى ناظر بها أقطاب المعتزلة، فوقع في نفوس البعض أنه من القائلين بها و هو اشتباه لايستند الى بحث و تحقيق. كثيراً ما وقع مثل هذا في نقل الآراء و روايةالأخبار، و استنساخ و الكتب و الآثار.

أما ما نسب الى تلميذه الشريف المرتضى من قبل العلما فيجيب عنه علامتنا السيد هبه الدين الحسينى في رسالته (المعجره الخالده)بقوله: نسبة هذا الرأى الى علامتناالشريف المرتضى على بن أحمد التوفي سنه 436 هـ، فانه - طاب ثراه معروف به قوه الجدل والتحول في حوار المناظرين الى هنا وهناك فلا نعلم هلبقى ثابتا على هذا النظريه كعقيده راسخه، أوتحول عنها؟ وهذاالمذهب أعوج أعرج، أو كما قيل، حرفة عاجز و حجة كسول، لايليق أسناده الى علمائنا الفحول، لأن الله عز شأنه،فياض العدل، ذو رأفة و فضل، فهو أرفع شأنا من أن يأمر الانس والجن بأن يباروا القرآن، و يرضى منهم بمباراة بعضه لو تعذر عليهم كله. ثم يعترض سبيلهم، ويصرف منهم القوةوالهمة، ويمنعهم من أن يأتوا بماأراد منهم .

و الظاهر من ظواهر الآيات أن القرآن في ذاته متعال بميزاته حائزاً أرقى الميزات و أبلغ المعجرات، و ينبغى كذلك ان أريدمدحه و فضله.

أما لو حصرنا وجه الاعجاز في نقطة الصرفة، فيتم حتى مع كونه كلاما مبذولا مرذولا للغاية، ففى الوجوه الوجيهة السالفة غنية و كفاية و الله ولى الهداية.

و قد أشار الامام الحجة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء الى ما نسب الى

الشريف المرتضى و شيخه المفيد بقوله المتقدم فقال: على أن من نسب اليه ذلك ـأى الصرفة ـ لم ينقلعنه الاستناد الى حجة ولو ضعيفة، و التعويل على شبهة ولو سخيفة، و انما هو رأى رآه أو احتمال أبداه، و السداد عزيز، و الصواب معوز الا بتأييد من الله و لطف منه.

نقول وقد ألف الشريف المرتضى كتابه ـ الموضح ـ في اعجاز القرآن، و تداولته الأيدى من بعده أحقابا، و لم ينقل لنا الرواة الثقاة عنه أو عن مصنفاته الكلامية، و مؤلفاته الفقهيةالجمة، و أماليه القيمة، مما نسبه اليه المتأخرون في القول بالصرفة الذى لايتفق و عقيدة التشيع التى لاتقر فكرة الخير، كما ذكرنا آنفا. ثم قدرأينا كيف حمل الشيخ كاشفالغطاء على القائلين بهذه الفكرة حملته الشعواء و رماهم بقارص الكلام، ونبال التقربع، وندد برائهم الفائل، وسفه أحلامهم، ووصمهم بالعجز و الجهالة، والخبط و الضلالة،ولو علم و هو المجتهد البصير، و النيقد الخبير، بأن الشيخ المفيد أو تلميذه علم الهدى السيد المرتضى من أصحاب تلك المقالة، لماها جمهما هذا الهجوم العنيف، و سماحته أدرىمن غيره بعلو مكانتهما العلمية، و منزلتهما الأدبية الرفيعة، وجلالة قدرهما في أنظار أبدال الشيعة الامامية.

و بعد: فهذه صفوة الكلام، وزبدة القول في اعجاز القرآنفي مذهب الشيعة الامامية الاثنى عشرية، بسطناها للقارىء الكريم خدمة للحقيقة العلمية و المباحث الاسلامية.. اخلاصاً لمبداً (رسالة الاسلام) المجاهدة في سبيل التقريب بينالمذاهب الاسلامية تحت اشراف جماعة التقريب الموقرة.

كان الله في عون الجميع؟