لحضرة صاحب الفضيلة الاستاذ الشيخ محمد الطنطاوى
الاستاذ في كلية اللغة العربية
لقد يستحثني إلي وصاتي المؤثقة لك ببر الاب و مؤازرة الاخ ماروي عني الآن من عقوق للأب و خذلان للأخ، لطغيان السيل العرم من الانحلال الخلقي في الشبان و الشواب، مما يتقرح منه كبد الاب،ويقت في عضد الاخ، فتخمد منهما جذوة المناصرة و ينأيان عن المكانفة، حتي يؤذن نذير الانهيار الاسرى بالغفاء.
و ما حفظ كيان أسلافنا الامجاد إلا احتذاؤهم المثلالسميافيما توحي به القطر النقية، و أكده دين الإسلام و السلام.
و مرحي للراجز العزلي، إذ يقول على لسان الضب حينما رأي تهدم جحر ابنه الحسل:
و أنا أمشي الدَالىَ حوالكا * * * كيف اجترأ عليك الخاطئون. و خربوا بيتك و زعموا أنه لا أخاً لك، و لا أباً لك، يمشي حولك يرعاك. ألايثأر أخوك وأبوك لك.
قال أبو العباس المبرد: (حدثني أبو عُمَر الجَرْمي، قال: سألت أبا عبيدة عن قول الراجز:
أهدّموا بينك لا أباً لك ... ... ... ....
/ صفحه93/
فقلت لمن هذا الشعر؟ فقال هذا يقوله الضب للحسل أيام كانت الاشياء تتكلم(1).
و سواء أكان هذا الشعر يقوله العرب على ألسنة الحيوانات كما يقول سيبويه، أم قالهالضب أيام أن كانت الاشياء تتكلم كما يقول أبو عبيدة، فإنه ذو مغزى يأخذ بتلابيب المأفونين الذين هم فيطعغيانهم يعمهون.
ترفرف أجنحة القربي على الاصول لتضم لهاالحواشي و الفروع، فقد العم أبا و ابنه أخا و تبتئس من ذَعَارَّة عقيل بن علَّفة في سوء مجازاته بنى العم بمثل ما يصنعون، ثم تستريح مغتبطة لسماع نداه مسكين الدارعي رحمةالله عليه في قوله:
ففي الصواب أن ما بين روحي عقيل و مسكين ما بين الحنظل و الصندل، أو الحميم والسلسبيل.
قلت: قرأت مقدارا له بال من شعر العرب و منثورها، و هو أرباب اللسن، لا تخيفهم سطوة حاكم عات، و لا تردعهم قوانين سنونة، فما يبالون و هجر القول و سلاطةاللسان شفاء لما في صدورهم الحانفة، حسب تقديرهم الشخصى.
فقد هجا الاخ و أقذع في السباب كالمغيرة بن حبناء التميمي، و تهدد ابن العم و أرعد كذى الاصبع العدوانى و طرقةبن العبد، و عنترة العبسي، و سيفه ابن الاخ و أفحش كعقيل بن علفة المرى، مما أوغر الصدور و استفزهم إلي التدابر فيما بينهم، و جلب الاحداث الجسام التي انتابت الاقارب ومزقتهم بددا، ذلك أن العداء ينشب بينهم لما يغتفر مثله من غيرهم، فهنواتهم معدودة، دقيقها جليل، و تحملها ثقيل، و يقول طرفة بعد سرد آلامه من ابن العم.
إن للعدوات بين ذوى القرابات أسباباً تخلقها، يستعصي على الباحث عنها الوقوف على كنهها حتي يعرف المحق منالمبطل، و ليس من الهين البين البت
1- رغبة الامل من كتاب الكامل ج 5 باب من تكاذيب الأعراب و هو طريف مستملح.