لحضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ محمد عرفه
عضوجماعة كبار العلماء
هل من شكل في أن الله يريد من المسلمين وإن اختلفت ديارهم وتباينت أوطانهم أن يكونوا إخوة متوادّين متحابين متعاونين متناصري؟.
ليس في ذلك شك،ويشهد له قوله تعالى: ((محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم)) وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وقد صور النبي صلىالله عليه وسلم المؤمنين في توادهم وتراحمهم بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الأعضاء بالسهر والحمي.
وهل من شك في أن أعظم نعمة امتن الله بها علىالمسلمين هي: الألفة بعد الفرقة، والمحبة بعد العداوة، كما قال: ((واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)) وكما قال: ((هو الذي أيدكبنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبنهم ولكن الله ألف بينهم)).
وهل من كل في أن الله يبغض من المسلمين الخلاف والفرقة،والتباين والبغضة؟ وهل من خلاف في أن الله قال: ((إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون)) وأنه قرن الفرقه
/ صحفة 380 /
بالرجم والخسف في الوعيد فقال: ((قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض)) كل ذلك لا شك فيه،وهو من البديهيات المعلومة من الدين ضرورة، ومع ذلك ليس من شك أيضا في أن واقع المسلمين ليس كذلك، ففيهم الفرق المختلفة، والشيع المتباينة، وقد جر ذلك الى التناحروالتباغض، والي أن يذوق بعضهم بأس بعض، ففيهم السني والشيعي والخارجي والمعتزلي، إلى ماشاْ الله من هذه الفرق، وفيهم ما لا يحيط به آلا الله من الحقد والبغض والحسدوكراهية بعضهم لبعض كأن ليس من مبادئ دينهم القطعية ما ذكرنا، بل كأن من مبادئ دينهم الفرقة والاختلاف، وكأن منها النزاع والفشل، وكأنها أصول فيه ويس لها مرو وليس منهامحيص.
ومن المعلوم أن هذه الفروض الاجتماعية التي منها حب المسلمين بعضهم بعضاً وتعاونهم وتناصرهم؛ ليست فروضاً يدعو إليها الدين تعبداً بل هي فروض يدعوا إليهاالدين لأن مصلحة المسلمين الدنيوية تدعو إليها، ولأن بقاءهم وقوتهم وعزتهم منوطة بها فكل أمة من أمم الإسلام وحدها ضعيفة ولكنها بتعاونها مع غيرها من الأمم الإسلاميةتقوي وتعز وقد قيل ((ضعيفان يغلبان قوياً)).
كذلك ليست المحرمات الاجتماعية التي ينهي عنها الدين ـ ومن أشدها تباغض المسلمين وتفرقهم وتنازعهم ـ إلا مفاسد كبرى يريدالدين منهم أن يدرءوها عن أنفسهم، فليس يضعف المسلمين ويفت في عضدهم مثل التباغض والتناحر والتفرق بينهم.
لذلك لا أعلم فروضاً في الإسلام أقوى ولا آكد ولا أعم فائدةولا أعظم جدوي من هذه الفورض التي هي المحبة والتعاون والتناصر بين المسلمين.
ولا أعلم كبائر أعظم ضرراً، ولا أشد نكراً، ولا أدعي لمحق المسلمين وزوالهم من هذهالكبائر التي ذكرنا من تباغضهم وتخاذلهم وفرقتهم وانقسامهم.
/ صحفة 381 /
ولا أعلم فروضاً أهملت مع عظم خطرها كما أهملت هذه الفورض: أهملها العلماء فتركوها فيزوايا الكتب ولم يسلطوا عيها الأضواء كما سلطوها على ما هو أقل منها شأناً، وإن الحيض والنفاس ومسائل المتحيرة لقد أخذت من العناية أكثر مما أخذت هذه الفروض.
إن النبيصلى الله عليه وسلم لم يبلغ بالمسلمين ما بلغوه من محبة وتضامن وتناصر حتى كان هجيراه تسليط الأضواء على هذه الفضائل فكان يقول: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولايخذله ولا يحقره، بحسب أمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) وكان يقول: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخية ما يحب لنفسه)، وكان يرتبالفضائل درجان ويجعل هذه الفضائل في الذروة.
ونحن نريد أن نبلغ من التعاون والقوة ما بلغوه ولما نعن بهذه الفضائل كما عنوا بها!.
إن فروضاً هذا شأنها كان ينبغي أننؤخذ بقوة، وأن تلقَّن للصبيان مع اللبن، وأن يُعَلموها في مدارس المرحلة الأولى وبقية المراحل، وأن يكون لها شأن لا يقل عن شأن أركان الإسلام الخمسة، وأن يكون في ذكر كلمسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وأن يحذر كل مؤمن فوات الإيمان إن أبغض أخاه المسلم أو أبغض مصلحته ـ وكان يجب على علماء الإسلامأن يقفوا محافظين على محبة المسلمين بعضهم بعضا ووحدتهم وتعاونهم، ولكنني لم أر فرضاً أعظم نفعاً ضيع كما ضيعت هذه الفروض، ولم أر حراماً أعم ضرراً ارتكب كما ارتكبالمسلمون أضدادها، بل إني أو شك أن أقول إن علماء كل فرقة كان لهم نصيب في توسيع هوة الخلاف بذلك الجدل الجاف الذي يحركونه حول مذاهبهم، وإن الإمام العالم منهم لتبدو منهالكلمة عامة تزرع الأحقاد، وتربي الإحن يقول الزمخشري في تفسيره عند الكلام على رؤية الله في الأشعرية.
/ صحفة 382 /
وليست الأشعرية في كتبهم بأحسن مجاملة للمعتزلة ولا بأعف لفظا وهكذا بقية الفرق، فلا عجب إذاحَمّلنا علماء كل فرقة نصيباً مما كان من فُرقة بين المسلمين.
هكذا ترك علماء المذاهب الخلاف والفرقة والبغضاء تدب إلى المسلمين دون أن يعملوا على إزالتها، ودون أنيعالجوها، مع أنهم كانوا يرون أن عواقب ذلك مخيفة محزنة وهذا هو التاريخ يروي أن الخلاف ـ حتى بين أتباع المذاهب الأربعة الفقهية ـ كان له أثر سيء مع أنه من أهون الخلافاتلأنه خلاف في الفروع العملية لا غير.
يذكر التاريخ أن الحنابلة من أهل جيلان كانوا إذا دخل إليهم حنفي قتلوه وجعلوا ماله فيئاً حُكمَهم في الكفار.
ويذكر أن بعضبلاد ما وراء النهر من بلاد الحنفية كان فيه مسجد واحد للشافعية وكان والي البلد يخرج كل يوم لصلاة الصبح فيرى ذلك المسجد فيقول أما آن لهذ الكنيسة أن تغلق! فلم يزل كذلكحتى أصبح يوما وقد سُدَّ باب ذلك المسجد بالطين واللبن، فأعجب الوالي ذلك، وقد شاع أن المالكية يقولون الشافعي، غلام مالك، الشافعية يقولون أحمد بن حنبل غلام الشافعي،والحنابلة يقولون الشافعي غلام أحمد بن حنبل، والحنفية يقولن الشافعي غلام أبي حنيفة، لأنه غلام محمد بن الحسن، ومحمد غلام أبي حنيفة، وقالوا لو لا أن الشافعي من أتباعأبي حنيفة لما رضينا أن ننصب معه خلافا، وقد صنف حنفي مناقب أبي حنيفة فافتخر فيها بأتباعه كأي يوسف ومحمد وابن المبارك، ثم أنشد يعرّض بباقي المذاهب:
هذا كدعوى الجاهلية
/ صحفة 383 /
والشافعية يطعنون بأن أبا حنيفة من الموالي، وليس من أئمة الحديث، والحنفيةيطعنون في نسب الشافعي، وأنه ليس قرشياً ولا إماما في الحديث، لأن البخاري ومسلما أدركاه ولم يرويا عنه، مع أنهما لم يدركا إماما إلا رويا عنه، ناهيك بالأحاديث التي وضعتفي مدح أئمتهم وذم الآخين كما روي الحنفية: (يكون في أمتي رجل يقال له النعمان هو سراج أمتي، ويكون فيهم رجل يقاله له محمد بن إدريس، هو أضر علي أمتي من إبليس) هذا قليل منكثيرر مما قاله فقهاء مذاهب السنة، فكيف إذا عرضنا لما وقع بين السنة والشيعة، وما وقع بين أصحاب المذاهب الكلامية، ولا تزال آثاره السيئة تعمل عملها في المسلمين إلىالآن.
هذه حال يجب أن يطب لها العلماء، وهي لا تحتملها روح العصر ولا مصلحة المسلمين. إن الأمم تسعى للاجتماع والتضامن، وتلتمس لذلك أوهى الأسباب من لغة وإقليم واتحادفي الثقافة أو في المصلحة، والمسلمون أولى بذلك لأن بينهم أواصر كثيرة تدعو إلى الوحدة والاجتماع واعظمها الدين، والمسلمون أولى بذلك لأنهم ضعاف، والضعيف أحوج إلى أنيشد أزره بأخيه.
والمسلمون إولى بذلك، فقدتداعت عليهم الأمم كما تداعي الأكلة إلى قصعتها، والمسلمون أولى بذلك لأن الله وهبهم أرضاً ذات خيرات وفيرة، وهي محط أطماع دول الارض، ولا يحافظون عليها إلا بالقوة،والاتحاد من أهم أسباب القوة.