(6)
ثم بعد ذلك فإنّ المتقلّد لهذه المهمة سوف يعيش بين الناس عالمهم وجاهلهم ، فليس من الصعب إذن التحقق من صحّة هذا التقليد والتقدم ، وهذا ما وقع مبكراً مع الاِمام الجواد عليه السلام من قِبَل من استنكر شأنه ، وفي مجلس عقده المأمون وشحنه بأهل العلم ممّن هم حوله أذعن قاضي قضاته يحيى بن أكثم بأنّ ابن الثامنة ، الجواد بن الرضا عليهما السلام ، إن هو إلاّ إمام معلَّم ، وليس هو بفتى ملهم وحسب . . ثم عاش الاِمام الجواد عليه السلام تجربته كلها ومن حوله علماء فحول ، من أصحاب القرآن والحديث والكلام ، في عصر ازدهرت فيه العلوم وقعّدت قواعدها ، وأسست أصولها ، فلم يرَ منه أصحابه أو خصومه دون ما كانوا يرون من آبائه العظام من علم وحلم وحكمة ، وتلك تجربة أمّة امتدت به سبع عشرة سنة ، حتى وفاته عليه السلام ، وليس هناك في التاريخ قضية هي أثبت من تجربة أمّة . .
فكيف إذا كانت تجربة في عصر عصيب ، يطارد الحكام أصحابها ، ومن قبل قتلوا جدّه الكاظم عليه السلام سجيناً ، ثم اغتالوا أباه الرضا عليه السلام ، ثم هم من حوله يتربّصون به وبأصحابه ؟ ! إنّ هذا لمن أهم ما يثبت عظمة تلك التجربة وعظمة رائدها الذي لو وجد فيه خصومه السياسيون وهم الحاكمون ، والدينيون وهم متوافرون ، من مغمزٍ لما توانوا في نشره ، بل لطربوا له ولنسجوا من حوله الحكايات والاَساطير . .
وفي صفحات إصدارنا هذا سنعيش مع هذه الظاهرة ، وفي رحاب رائدها الاَول في تاريخ أهل البيت عليهم السلام ، والثالث في دائرة الاصطفاء ، مؤدّين بعض الحق لهذا الاِمام العظيم ، مستلهمين المزيد من الدروس والعبر . . وكم هو جميل أن يتزامن إصدارنا هذا مع مرور ألف ومئتي عام على وفاته سلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً .
مركز الرسالة