أصاب العلويون ألواناً من شتى المحن في العهدين الأموي والعباسي ومحنتهم في عهد المنصور كانت من أقسى المحن وأفجعها، فقد أذاقهم جميع أنواع العنف والجور والعذاب، فحاو عدة مرات إبادة شبابهم وشيوخهم، وكان ما حل بهم من التنكيل مع الحكام العباسيين وخاصة المنصور، أضعاف ما واجهوه أيام الحكم الأموي حتى قيل في ذلك:
لقد واجهوا عنف الخطوب وأقسى الرزايا من أجل تحرير المجتمع الإسلامي وإنقاذه من الجور والظلم والاستبداد.
لم يضعفوا أمام هذا الطاغية وأمام غيره من الحكام الظالمين، بل اندفعوا بكل فخر واعتزاز إلى ساحات الجهاد، وناضلوا في سبيل إعلاء كلمة الله حتى استشهدوا أحراراً كراماً مشجعين الأحرار والمناضلين في عصرهم وفي كل عصر على متابعة طريق النضال، فاتحين لهم أبواب الكفاح، راسمين لهم طريق الخلاص من حكم الذل والعبودية.
وسوف نذكر حادثة أليمة من حوادث جسام كثيرة فعلها المنصور مع العلويين. لقد زجهم في سجن مظلم لا يعرف فيه الليل من النهار، حتى باتوا لا يعرفون وقت الصلاة فجزأوا القرآن الكريم خمسة أجزاء فكانوا يصلون الصلاة على فراغ كل واحد منهم لجزئه148 أمر الطاغية بإحضار محمد بن إبراهيم وكان أية في بهاء وجهه وجماله ولما حضر عند المنصور التفت إليه بسخرية قائلاً:
أنت المسمى بالديباج الأصفر؟ فقال: نعم.
أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من أهل بيتك.
ثم أمر باسطوانة مبنية ففرغت، وأدخل فيها، فبنيت عليه وهو حي149 وبقي العلويون في سجن المنصور وهم يعانون أهوالاً من الخطوب والمصائب، حتى مرضوا ومات أكثرهم، ثم أمر الطاغية بهدم السجن على من بقي منهم، فهدم عليهم، ومات أكثرهم وفيهم عبد الله بن الحسن150.
حفلت هذه المأساة الغريبة والعجيبة بأنواع الرزايا والخطوب، فقد انتهكت فيها حرمة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في ذريته وأبنائه، ولم يراقب المنصور الله فيهم ولم يرع أي حرمة لهم.
لقد وهبت تلك النفوس الزكية أرواحها لله لتنقذ من شر تلك الطغمة الحاكمة عباد الله، حكام ظالمون همهم الدنيا والسلطان والجاه والمال، وفي سبيل ذلك كفروا بجميع القيم الإنسانية، وتنكّروا لجميع المبادئ الإسلامية.
هذه المأساة الكبرى أثارت موجات من السخط على بني العباس فتجمهر الأحرار حول أهل البيت متمسكين بعد لهم ومبادئهم بغية إنقاذهم من هذا الوضع المتردي الأليم. وقد اندفع الشعراء بعد أحقاب من السنين المريرة بهجاء الحكام العباسيين على جرائمهم النكراء وخاصة الجريمة الأخيرة التي ذهب ضحيتها عبد الله بن الحسن.
من هؤلاء الشعراء نذكر أبا فراس الحمداني الشاعر العربي الأصيل، استنكر الجريمة النكراء واندفع قائلاً في قصيدة طويلة بلغت ما يقارب الستين بيتاً نذكر منها:
يبدو واضحاً من هذا الشعر الأسى العميق على ما أصاب العلويين من النكبات والرزايا في عهد المنصور وسائر ملوك بني العباس الذين تنكروا للاحسان الذي أسداه إليهم الرسول الأعظم وعلى جدهم العباس فقد قابلوا الإحسان بالاساءة، والعفو بالعقاب المرير لذرية النبي الشريفة، وعترته الطاهرة.