معالم فی الطریق

سید قطب

نسخه متنی -صفحه : 125/ 4
نمايش فراداده

لقد أدَّت النهضة العلمية دورها .. هذا هو الدور الذي بدأت مطالعه مع عصر النهضة في القرن السادس عثر الميلادي ، ووصلت إلى ذروتها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر .. ولم تعد تملك رصيدًا جديدًا .

كذلك أدَّت " الوطنية " و " القومية " التي برزت في تلك الفترة ، والتجمعات الإقليمية عامة دورها خلال هذه الفرون . . ولم تعد تملك هي الأخرى رصيدًا جديدًا .

ثم فشلت الأنظمة الفردية والأنظمة الجماعية في نهاية المطاف .

ولقد جاء دور " الإسلام " ودور " الأمة " في أشد الساعات حرجًا وحيرة واضطرابًا .. جاء دور الإسلام الذي لا يتنكَّر للإبداع المادي في الأرض ، لأنه يعدُّه من وظيفة الإنسان الأولى منذ أن عهد الله إليه بالخلافة في الأرض ، ويعتبره - تحت شروط خاصة - عبادة لله ، وتحقيقًا لغاية الوجود الإنساني .

{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً } [البقرة: 30]

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِي } [الذاريات: 56]

وجاء دور " الأمة المسلمة " لتحقق ما أراده الله بإخراجها للناس : { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ } [آل عمران: 110]

{ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [البقرة: 143]

ولكن الإسلام لا يملك أن يؤدي دوره إلا أن يتمثل في مجتمع ، أي أن يتمثل في أمة ..

فالبشرية لا تستمع - وبخاصة في هذا الزمان - إلى عقيدة مجردة ، لا ترى مصداقها الواقعي في حياة مشهودة . . و " وجود " الأمة المسلمة يعتبر قد انقطع منذ قرون كثيرة .. فالأمة المسلمة ليست " أرضًا " كان يعيش فيها الإسلام . وليست " قومًا " كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي .. إنما " الأمة المسلمة " جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي . . . وهذه الأمة - بهذه المواصفات ! قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر- الأرض جميعًا .