وحيثما وجد التجمع الإسلامي ، الذي يتمثل فيه المنهج الإلهي ، فإن الله يمنحه حق الحركة والانطلاق لتسلم السلطان وتقرير النظام ، مع ترك مسالة العقيدة الوجدانية لحرية الوجدان ، فإذا كف الله ايدي الجماعة المسلمة فترة عن الجهاد ، فهذه مسألة خطة لا مسالة مبدأ ، مسألة مقتضيات الحركة لا مسألة عقيدة . . وعلى هذا الاساس الواضح يمكن أن نفهم النصوص القرآنية المتعددة ، في المراحل التاريخية المتجددة ، ولا نخلط بين دلالتها المرحلية ، والدلالة العامة لخط الحركة الإسلامية الثابت الطويل .
العبودية لله وحده هي شطر الركن الأول في العقيدة الإسلامية المتمثل في شهادة : أن لا إله إلا الله . والتلقي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كيفية هذه العبودية - هو شطرها الثاني ، المتمثل في شهادة أن محمدا رسول الله .
والقلب المؤمن المسلم هو الذي تتمثل فيه هذه العبودية بشطريها ، لأن كل ما بعدها من مقومات الإيمان ، وأركان الإسلام ، إنما هو مقتضى لها . فالإيمان بملائكة الله وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وكذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج ، ثم الحدود والتعازير والحل والحرمة والمعاملات والتشريعات والتوجيهات الإسلامية . . . إنما تقوم كلها على قاعدة العبودية لله وحده ، كما أن المرجع فيها كلها هو ما بلغه لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ربه .
والمجتمع المسلم هو الذي تتمثل فيه تلك القاعدة ومقتضايتها جميعا لأنه بغير تمثل تلك القاعدة ومقتضايتها فيه لا يكون مسلما .
ومن ثم تصبح شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله قاعدة لمنهج كامل تقوم عليه حياة الأمة المسلمة بحذافيرها ، فلا تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم هذه القاعدة ، كما أنها لا تكون إسلامية إذا قامت على غير هذه القاعدة ، أو قامت على قاعدة أخرى معها ، أو عدة قواعد أجنبية عنها :
{ إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم } [ يوسف : 40]
{ ومن يطع الرسول فقد أطاع الله } [ النساء :80 ]
هذا التقرير الموجز المطلق الحاسم يفيدنا في تحديد كلمة الفصل في قضايا أساسية في حقيقة هذا الدين . وفي حركته الواقعية كذلك :
إنه يفيدنا أولا في تحديد " طبيعة المجتمع المسلم " .