معالم فی الطریق

سید قطب

نسخه متنی -صفحه : 125/ 83
نمايش فراداده

وهكذا لا يتوقف قيام الحضارة - بطريقة الإسلام ومنهجه - على درجة معينة من التقدم الصناعي والاقتصادي والعلمي . وإن كانت الحضارة حين تقوم تستخدم هذا التقدم - عند وجوده - وتدفعه إلى الأمام دفعاً ، وترفع أهدافه . كما إنها تنشئه إنشاءً حين لا يكون ، وتكفل نموه واطراده . . ولكنها تظل في كل حال قائمة على أصولها المستقلة .

ويبقى للمجتمع الإسلامي طابعه الخاص ، وتركيبه العضوي ، الناشئان عن نقطة انطلاقه الأولى ، التي يتميز بها من كل مجتمعات الجاهلية . .

{ صبغة الله من أحسن من الله صبغة } . . . [ البقرة : 138 ] .

التصور الإسلامي والثقافة

العبودية المطلقة لله وحده هي الشطر الأول لركن الإسلام الأول، فهي المدلول المطابق لشهادة أن لا اله إلا الله، والتلقي في كيفية هذه العبودية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الشطر الثاني لهذا الركن، فهو المدلول المطابق لشهادة أن محمداً رسول الله -كما جاء في هذا الفصل:

"لا اله إلا الله منهج حياة"..

والعبودية المطلقة لله وحده تتمثل في اتخاذ الله وحده إلهاً.. عقيدة وعبادة وشريعة.. فلا يعتقد المسلم أن "الألوهية" تكون لأحد غير الله- سبحانه- ولا يعتقد أن "العبادة" تكون لغيره من خلقه، ولا يعتقد أن "الحاكمية" تكون لأحد من عباده.. كما جاء في ذلك الفصل أيضاً.

ولقد أوضحنا هناك مدلول العبودية والاعتقاد والشعائر والحاكمية، وفي هذا الفصل نوضح مدلول"الحاكمية " وعلاقته "بالثقافة".

إن مدلول "الحاكمية" في التصور الإسلامي لا ينحصر في تلقي الشرائع القانونية من الله وحده. والتحاكم إليها وحدها . والحكم بها دون سواها .. أن مدلول "الشريعة" في الإسلام لا ينحصر في التشريعات القانونية، ولا حتى في أصول الحكم ونظامه وأوضاعه. إن هذا المدلول الضيق لا يمثل مدلول" الشريعة" والتصور الإسلامي!