فی رحاب العقیدة (1)

السید محمد سعید الطباطبائی الحکیم

جلد 3 -صفحه : 136/ 42
نمايش فراداده

س 9 ـ خبر الآحاد لا يعمل به في أصول الدين عند الشيعة، وهم لا يرون أن تشخيص الأئمة ثابت بالتواتر، فإن كان تشخيص الإمام يثبت بخبر الآحاد، فلا يجب العمل به من حيث اتباع الإمام المشخص.

عمان ـ الأردن

7 / 12 / 2000م

ج: قبل الجواب عن سؤالك ينبغي التنبيه إلى أمرين:

وجوب معرفة الإمام والعلم به لا يـختص بالشيعة:

(الأول): أن هذه المسألة لا تخص الشيعة، بل تجري في حق الجمهور وجميع المسلمين. لما هو المتسالم عليه عندهم ـ وأشرنا لأدلته في جواب السؤال الرابع من الأسئلة السابقة ـ من وجوب معرفة الإمام، والتسليم له، وبيعته وطاعته، وأن من ترك ذلك فميتته ميتة جاهلية.

وقد تقدم في آخر جواب السؤال السابق قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى الله، فانظروا من توفدون)).

حيث يتعين حينئذٍ معرفة شخص الإمام بوجه قطعي، وذلك لا يكون إلا بالبحث عن الأدلة، والنظر فيها بوجه موضوعي منصف، بعيد عن التسامح والتشبث بالظنون والأدلة الواهية، مع تجنب اللجاجة والتكلف في رد الأدلة الواضحة.

اللازم الموازنة بين أدلة الشيعة وأدلة غيرهم:

وعلى ذلك فلينظر من يريد الخروج عن هذه المسؤولية الكبرى ـ لتكون ميتته ميتة إسلام، لا جاهلية ـ إلى ما يقيمه الشيعة من الأدلة والحجج على تعيين أشخاص الأئمة(صلوات الله عليهم)، وإلى ما يقيمه غيرهم على تعيين أئمتهم، ويقارن بين الحجتين، بعد أن يضع أمام عينيه أن الله تعالى هو الرقيب عليه في حكمه، ثم يحكم وجدانه في تعيين ما هو الأقوى منهما، فليتزم به، ويعمل عليه، ليكون معذوراً عند الله عز وجل يوم يعرض عليه ويوقف بين يديه، ويسأله عن الدين الذي افترضه عليه، وعن أئمته الذين ائتم بهم، وأخذ منهم ذلك الدين.

لا يفترض في المقام التقيد بطرق الجمهور:

(الثاني): أنه لا يفترض في المقام التقيد بطرق جمهور السنة ورواياتهم ومبانيهم وقناعاتهم، لو كانت لهم في ذلك محصلة مضبوطة. فإن ذلك قد يتجه حين يحتج الشيعة على بطلان مذهب الجمهور في الإمامة، وما يقولون به من شرعية الخلافة بالاستيلاء على السلطة، من دون نص من الله تعالى، وتبليغ من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) . حيث لا يحسن من الشيعة أن يحتجوا على الجمهور بما يختصون هم بروايته من دون أن يدعم بحجج قاطعة تلزم الجمهور بالتسليم به.

أما بعد تجاوز ذلك، والدخول في مرحلة لاحقة، وهي تعيين أشخاص الأئمة (صلوات الله عليهم) ـ بعد الفراغ عن أن الإمامة بنص من الله تعالى، وأنها من أصول الدين التي يجب فيها العلم، ولا يكتفى فيها بأخبار الآحاد ـ فالأمر يخص الشيعة أنفسهم، وعليهم أن يعتمدوا فيما يذهبون إليه على ما يوجب العلم لهم من أي طريق كان، لتتم لهم معرفة الإمام ويخرجوا عن ميتة الجاهلية إلى ميتة الإسلام.

وإذا كان الجمهور لا يريدون أن يعتدوا بأخبار الشيعة، ويطعنونهم بالضلال، وبأنهم قد لفقوا أخبارهم دعماً لضلالهم، ويتجاهلون القرائن التي تدعم تلك الأخبار، وتوجب القطع بصحة مضامينها. فالشيعة يعرفون من أنفسهم أنهم على الحق، ومع النصوص المثبتة لحق أهل البيت (صلوات الله عليهم)، وأن همهم الواقع، وأنهم بحقهم الصريح في غنى عن الكذب والافتراء. وأن لهم من القرائن العقلية والنقلية التي تدعم تلك الأخبار ما يجعل دعوتهم من الحق الواضح الذي لا ريب فيه.

فموقف الشيعة مع الجمهور نظير موقف المسلمين عموماً مع أهل الأديان الأخرى، فحينما يكونون بصدد إثبات أصل دين الإسلام، وصدق نبوة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، لابد لهم من أن يحتجوا بما يكون حجة على أهل تلك الأديان، ويكون دليلاً قاطعاً عليهم. ولا يكفيهم الاحتجاج بما يكون حجة عند المسلمين وحدهم.

أما إذا تجاوزوا ذلك وأثبتوا صحة دين الإسلام، وصدق نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا أرادوا الاحتجاج على ما يتفرع على الإسلام ـ كالإمامة وتفاصيل المعاد ـ فإنه يكفيهم أن يحتجوا بما هو حجة عند المسلمين بعد الفراغ عن صدق الإسلام، ولا يلزمهم أن يحتجوا بما هو حجة على أهل الأديان الأخرى، لأن ذلك لا يخص أهل تلك الأديان، بل يخص المسلمين أنفسهم.

بل إذا آمن بعض أهل تلك الأديان بالإسلام، وصدقوا بحجته، فاللازم عليهم الرجوع فيما يتفرع عليه إلى ما هو حجة بحسب المقاييس الإسلامية التي يتعين على المؤمنين بالإسلام الجري عليها.

وكذلك الحال في المقام، فإنه إذا آمن بعض الجمهور بما عليه الشيعة من أن الإمامة حق لأهل البيت (صلوات الله عليهم)، تبعاً للنص الوارد فيهم، فإنه يلزم عليه الرجوع في تعيين الأئمة منهم (عليهم السلام) ومعرفة أشخاصهم إلى ما هو حجة بمقتضى موازين الاحتجاج العقلائية المناسبة لمرجعية أهل البيت (صلوات الله عليهم) للأمة، ولحقهم في الإمامة عليهم.

وليس معنى ذلك أنه لا توجد نصوص من روايات الجمهور تدعم مذهب الشيعة في تعيين الأئمة (صلوات الله عليهم)، بل هي موجودة فعلاً، وإن لم تكن بحيث تكفي وحدها في إثبات ذلك.

إذا عرفت هذا، فحيث كانت الإمامة عند الشيعة من أصول الدين الاعتقادية ـ التي تتوقف النجاة على معرفتها، وتترتب الهلكة بجهلها ـ فاللازم معرفة الإمام بشخصه، والعلم بإمامته. ومقتضى ذلك أن الله تعالى قد أقام الدليل القاطع على إمامة الإمام، بحيث يحصل بسببه العلم بإمامته إذ لا معنى لأن يلزم تعالى الناس بالمعرفة، ولا يهيئ أسبابها.

وبعد ذلك نقول:

تحديد المراد بالخبر المتواتر:

إن كان المراد بالخبر المتواتر هو الذي يرويه جماعة يعلم بصدقهم وعدم اجتماعهم على الكذب، بسبب كثرتهم، عن جماعة كذلك، وهكذا في جميع طبقات السند ـ بأن يرويه مثلاً عشرون عن عشرين عن عشرين، وهكذا ـ فهذا ـ كما تقول ـ غير حاصل في تشخيص آحاد الأئمة (صلوات الله عليهم).

لكن العلم لا يتوقف على ذلك. بل لا يوجد هذا في غالب الأمور المعلومة بالضرورة من الدين أو التاريخ، بما في ذلك القضايا التي لا نص فيها، وإنما ثبتت بإجماع المسلمين بجميع مذاهبهم وفرقهم، بحيث يعلم بأخذهم لها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

وإن كان المراد بالخبر المتواتر هو النقل الموجب للعلم واليقين، ولو من جهة تعاضد الأخبار، واحتفافها بالقرائن والمؤيدات، فهو حاصل في المقام في حق أشخاص الأئمة (صلوات الله عليهم). بل قد حصل ما يزيد عليه بمراتب.

وتوضيح ذلك: أن النصوص الواردة في الإمامة على طوائف..

النصوص الواردة في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) بشخصه:

(الطائفة الأولى): ما ورد في حق أمير المؤمنين(صلوات الله عليه) فقط. ولا يهمنا إطالة الكلام في هذه الطائفة، لأنه (عليه السلام) المتيقن هنا بعد فرض الكلام مع الشيعة، وهو (عليه السلام) أول أئمتهم.

وإنما أشرنا إليها من أجل استيفاء طوائف الأدلة الواردة في المقام.

ولا يفرق في هذا بين ما دل على إمامته ورئاسته وولايته ووجوب طاعته ـ كحديث الغدير وغيره ـ وما دل على مرجعيته للأمة في دينها، مثل ما تضمن أنه (عليه السلام) مع الحق والقرآن، وأنهما معه، وأنه (عليه السلام) الهادي للأمة المبين لها ما تختلف فيه... إلى غير ذلك.

وكلا القسمين كثير جداً. وقد تقدم بعض منه في أجوبة الأسئلة الرابع والسادس والثامن. ولا يسعنا استقصاء الكلام فيهما. بل يوكل إلى ما ذكره علماؤنا (رضوان الله تعالى عليهم)، وفصلوا الكلام فيه في كتبهم المذهبية.

وهذه الطائفة بمجموعها تقتضي حجية النص الصادر منه (عليه السلام) على إمامته، وعلى ثبوت الإمامة في أهل البيت عموماً، أو ثبوتها فيمن بعده من ذريته إجمالاً، أو مع تعيينهم تفصيلاً.

ما ورد في حق أهل البيت (عليهم السلام) عموماً

(الطائفة الثانية): ما تضمن ثبوت الإمامة في أهل البيت (صلوات الله عليهم) عموماً ولزوم التمسك بهم ووجوب طاعتهم، وما تضمن جعلهم (عليهم السلام) مرجعاً للأمة، يعصمهم من الضلال والهلكة، ويهديهم إلى الرشاد، ويرفع عنهم الخلاف. وقد تقدم جملة من ذلك في جوابي السؤال الرابع والثامن.

وهذا القسم وإن لم يصرح فيه بأسماء من هو المرجع من أهل البيت (صلوات الله عليهم)، إلا أن أمير المؤمنين (عليه السلام) متيقن من هذا القسم أيضاً، لأنه سيد أهل البيت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وسيد عترته، كما تقدم عند الكلام في دلالة حديث الثقلين على إمامته (عليه السلام) في جواب السؤال السادس من الأسئلة السابقة.

ولأن من جملة الموارد التي تعرض فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمرجعية الثقلين واقعة الغدير التي هي نص فيه (صلوات الله عليه).

نعم لا ريب في عدم اختصاص هذه الطائفة به (صلوات الله عليه)، لأنه واحد من أهل البيت، فلا معنى لاختصاصها به.

ومن ثم كان ولداه الحسن والحسين (صلوات الله عليهما)، داخلين في المتيقن من هذه الطائفة أيضاً، لأنهما الموجودان من أهل البيت في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، الجاريان مجرى أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولا يحتمل إرادة غيرهما، دونهما.

بل حيث كانت هذه الطائفة واردة لرفع اختلاف الأمة بأجمعها، وهدايتها من الضلال، فهي تقتضي مرجعية أهل البيت في جميع الأزمنة ما دام لهذه الأمة وجود، تتعرض معه للخلاف والضلال. وذلك إنما يكون بوجود المرجع لها من أهل البيت (عليهم السلام) ووجوب طاعتها له بعد الحسنين (صلوات الله عليهما)، مهما تعاقبت العصور، كما أشرنا إليه في أواخر جواب السؤال الثامن عند التعرض لوجوب الرجوع في الدين لأهل البيت (عليهم السلام).

بل هو المصرح به في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((إن في كل خلف من أمتي عدلاً من أهل بيتي ينفي عن هذا الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. وإن أئمتكم قادتكم إلى الله عز وجل، فانظروا بمن تقتدون في دينكم وصلاتكم)) (1). وذيله كالصريح في أن أولئك العدول من أهل البيت هم الأئمة، الذين يجب الائتمام بهم وطاعتهم على الأمة.

وبالجملة: المتيقن من هذه الطائفة هو الإمام أمير المؤمنين وولداه الحسن والحسين (صلوات الله عليهم) بأشخاصهم، وهي تشير لبقية الأئمة (صلوات الله عليهم) إجمالاً من دون تحديد عددهم، ولا أشخاصهم. بل لابد من تعيين عددهم وأشخاصهم من أدلة أخر.

ما تضمن إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) وأحد عشر من ولده

(الطائفة الثالثة): ما تضمن أن الأئمة اثنا عشر، وهم أمير المؤمنين وأحد عشر من ولده (صلوات الله عليهم أجمعين) من دون تعيين لأسمائهم، أو مع التصريح باسم الحسن والحسين(صلوات الله عليهما).

(1) كمال الدين وتمام النعمة ص:221، واللفظ له. قرب الإسناد ص:77. الكافي ج:1 ص:32. مقتضب الأثر ص:16. الفصول المختارة ص:325. وقد تقدمت مصادر الجمهور في جواب السؤال الثامن في (أدلة مرجعية أهل البيت (عليهم السلام) للأمة).