نعتقد: أنّه تعالى إذ ينصّب لخلقه هادياً ورسولاً لا بدّ أن يعرِّفهم بشخصه، ويرشدهم إليه بالخصوص على وجه التعيين، وذلك منحصر بأن ينصب على رسالته دليلاً وحجّة يقيمها لهم(1)؛ إتماماً للطف، واستكمالاً للرحمة. وذلك الدليل لا بدّ أن يكون من نوع لا يصدر إلا من خالق الكائنات، ومدبر الموجودات ـ أي فوق مستوى مقدور البشر ـ فيجريه على يدي ذلك الرسول الهادي؛ ليكون معرِّفاً به، ومرشداً إليه، وذلك الدليل هو المسمى بالمعجز أو المعجزة؛ لاَنّه يكون على وجه يعجز البشر عن مجاراته والاِتيان بمثله. وكما أنّه لا بد للنبي من معجزة يظهر بها للناس لاِقامة الحجة عليهم، فلا بد أن تكون تلك المعجزة ظاهرة الاِعجاز بين الناس على وجه يعجز عنها العلماء وأهل الفن في وقته، فضلاً عن غيرهم من سائر الناس، مع اقتران تلك المعجزة بدعوى النبوّة منه؛ لتكون دليلاً على مدَّعاه، وحجة بين يديه، فإذا عجز عنها أمثال أولئك عُلم أنّها فوق مقدور البشر، وخارقة للعادة، فيُعلم أنّ صاحبها فوق مستوى البشر، بما له من ذلك الاتصال الروحي بمدبِّر الكائنات. وإذا تمَّ ذلك لشخص، من ظهورالمعجز الخارق للعادة، وادّعى ـ مع
(1) قال تعالى: ( رُسلاً مُبَشِّرينَ وَمُنْذِرِينَ لِئلا يَكُونَ للِنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةً بَعْدَ الرُّسُلِ وكَانَ اللهُ عَزِيزَاً حَكِيماً) النساء 4: 165.