عوامل النصر و التمکین فی دعوات المرسلین

أحمد بن حمدان بن محمد الشهری

نسخه متنی -صفحه : 50/ 2
نمايش فراداده

دراسات في ضوء القرآن الكريم في دعوات المرسلين تأليف أحمد بن حمدان بن محمد الشهري بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العزة رب العالمين، ولي التمكين للدين، الملك الحق المبين، خير الناصرين ، وأحكم الحاكمين ، لا إله إلا هو يقص الحق وهو خير الفاصلين ، مجّدَ نفسه في كتابه بامتلاكه وحده لأسباب النصر والتمكين، فقال : * والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون *^(^^)وقال: *وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم*^(^^) وصلى الله وسلم على نبيه محمد إمام المرسلين، المقطوع بنصرهم من رب العالمين في قوله _سبحانه_: * ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، إنهم لهم المنصورون * ^(^^) ورضي عن الصحابة أنصارهم والمهاجرين، الذين تجردوا من العلائق جادين، فخرجوا من أهلهم وديارهم ينصرون الله ورسوله حتى سماهم الله بالصادقين ، أما بعد :- فإن المؤمن إذا عظم إيمانه، وقوي يقينه، وصدقت محبته لخالقه صارت همته المؤكدة، ورغبته الشديدة، وأمنيته العزيزة نصرة هذا الدين ولقد بين ذلك _سبحانه_ في كتابه المبين، فقال عن محبة المؤمنين للنصر: * وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب *^(^^) بل إن السعي لنصرة الدين خصيصة في عظماء الخلق من الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين، وصفوة أتباعهم المؤمنين، ومن تأمل في كتاب الله وسنة رسوله _صلى الله عليه وسلم_ وجد على ذلك شواهد كثيرة من النصوص الظاهرة، وموضوع تلمس أسباب النصر والتمكين في كتاب الله موضوع نفيس بالغ النفاسة، ولكن أود أن أنبه في هذه المقدمة على نقاط مهمة قبل الشروع فيه:- 1ـ الموضوع موضوع قرآني بالدرجة الأولى فهو من المواضيع التي تولاها القرآن أكثر من السنة، فإن الله _سبحانه وتعالى_ ما ذكر دعوة نبي إلا وبين عامل نصرها ، وذكر من عادى الدعوة وبين أسباب سخطه عليهم حتى إذا استقصى المستقصي ذلك خرج بمنهج متكامل في أسباب النصر وموجبات الخذلان والعقاب. 2ـ عوامل التمكين في دعوات المرسلين:- هذا العنوان فيه سجعة جميلة ؛ ولكن ليس السبب في اختياره حلاوة السجع ؛ ولكن لأن التمكين كلمة أعم وأشمل من النصر وسائر الألفاظ الدالة على الغلبة والقوة؛ لأنها كلمة تدل على التهيئة والتثبيت والقوة والغلبة والنصر العزيز الثابت الراسخ وهذا سر استعمال القرآن لها، أما "دعوات المرسلين" فلأن كل دعوة لرسول قد يظهر فيها عامل من عوامل النصر أكثر من غيره فدعوة نبي الله موسى _على نبينا وعليه الصلاة والسلام_ ظهر فيها عامل الصبر أكثر من غيره، ولذا قال _سبحانه_: * وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا* ^(^^)^ ودعوة نبي الله سليمان _على نبينا وعليه الصلاة والسلام_ جاء فيها عامل تجنيد الجند وتجييش الجيوش، في سبيل نصرة الدين أكثر من أي دعوة أخرى *اذهب إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها* ^(^^)الآية وأما كلمة المرسلين فلأمرين :- الأمر الأول : أن الرسل مقطوع بنصرهم من الله _سبحانه_ وعصمتهم من القتل بخلاف الأنبياء ومن تتبع تعبير القرآن رأى عجباً فإن القرآن إذا قطع بالنصر عبر بلفظ الرسل كقوله: * كتب الله لأغلبن أنا ورسلي * ^(^^) *ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين*^(^^)^ وإذا جاء ذكر القتل عبر بلفظ النبيين *ويقتلون الأنبياء* *وقتلهم الأنبياء* والسبب - وعند الله العلم - أن رسول الأمة الأول لا يقتل أبداً ولا بد من تمكينه ونصره في الدنيا فعلاً ، ودليل ذلك قوله _تعالى_ في سورة غافر: *وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب* ^(^^)، وقوله __جل ذكره__ في سورة إبراهيم _عليه السلام_: *وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد *^(^^)، وقوله في سورة الأنبياء : * ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين *^(^^). أما الأنبياء الذين أرسلوا برسالة تجديدية لرسالة رسول الأمة الأول فإنهم قد يقتلون كرسل بني إسرائيل بعد موسى ، وهذا ما يحمل عليه قوله _تعالى_: *أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون * ^(^^) وإذا كان الأمر كذلك فإن من قدر الله أن تكتمل عوامل النصر والتمكين في دعوة رسول الأمة أكثر من النبي المجدد ومن هنا كان الاختيار للعنوان "عوامل التمكين في دعوات المرسلين" الأمر الثاني : أن الله _سبحانه وتعالى_ يوجه رسوله * إلى أن يترسم مسالك المرسلين قبله في نصرة الدين ، ويحذره من المسالك التي عاتب عليها المرسلين قبله كقوله