أدب العام و المقارن

دانییل هنری باجو؛ مترجم: غسان السید

نسخه متنی -صفحه : 289/ 56
نمايش فراداده

- الترجمات والتاريخ الأدبي .

هكذا يمكن لتاريخ الترجمات أن يتكوّن ويأتي ليوسع التاريخ الأدبي، إنهما غالباً متقاربان أكثر من كونهما متوازيين. دون العودة إلى مثال ليفيوس أندرونيكوس المترجم اللاتيني للأوديسا لهوميروس الذي سجل، في القرن الثاني قبل الميلاد، بدايات أدب لاتيني جديد، وأشار، عند الحاجة لذلك، إلى الدور (المحرَِض) الذي قام به النص الأجنبي، فإنه من المستحيل تقريباً دراسة حقبة أدبية دون الأخذ في الحسبان الدور الذي قامت به الترجمات : سواء تعلق الأمر (بالروايات) القروسطية الأولى (رواية Thébes، ورواية الاسكندر)، أو بالنهضة مع Amyot، مترجم (حياة رجال مشهورين) لبلوتارك، أو لوثر مترجم النص المقدس الذي حدد نصه ولادة الألمانية الحديثة ... إن استعراض الموجات الكبيرة للترجمة بإيجاز، مثل الترجمات في فرنسا عن الإسبانية في النصف الأول من القرن السابع عشر، وعن الإنكليزية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، طريقة للتعرّف على (المؤثرات) الأجنبية، والتيارات الأدبية، فذلك إذن كتابة أو إعادة كتابة للتاريخ الأدبي. في عصرنا، يمكن لمجلد شامل عن الترجمات أن يساعد على تقديم بعض الملاحظات حول آلية التبادلات الأدبية والثقافية.

هكذا ،فإن فرنسا، بصورة عامة، ترجمت، لحقبة طويلة، أقل بمرتين من ألمانيا (أقل من ثلاثة آلاف عنوان عام 1977 مقابل أكثر من ستة آلاف في الطرف الثاني من الراين ).

من وجهة نظر (الفرانكوفونية)، فإن سويسرا، وبلجيكا ـ وكيبيك تضاعف كثيراً من النشاط المطبعي لفرنسا في موضوع الترجمة، وبذلك تنوع خيارات النشر وإمكانياته. من جهة نظر مزدوجة للمجال الثقافي وسوق الطباعة بين عامي 1945- 1975 ، فإننا نجد أنه من أصل أربعمئة ألف عنوان تشكل الإنتاج الفرنسي المطبعي، هناك خمسة وأربعون ألف عنوان مترجم من بلدان مختلفة، أي ما يمثل (11%) من مجموع الإنتاج. ولكن انطلاقاً من هذا المعطى الإحصائي تكشف معطيات أخرى عن خيارات، أوعلى الأقل عن توجهات : تمثل البرازيل التي تعد في فرنسا إحدى قمم الإثارة، / 2,0 % / مع نحو مئة من العنوانات خلال ثلاثة عقود. ترجمت إيطالياً عدداً كبيراً من الأعمال الفرنسية في حين أن فرنسا قد ترجمت قليلاً عن الإيطالية. نسجل أو نكتشف أن هناك عدم توازن، وتناسق في التبادلات. إن وجود لغات تسمى (نادرة) ضمن النظام التعليمي الفرنسي، يمثل تفسيراً من بين تفسيرات أخرى، الذي يمكنه أيضاً أن يمثل جزءاً من مشاريع بحوث أو أفكار. أيّ نماذج من الدراسات المقارنة الخالصة نستطيع أن نواجه، في هذا المستوى التاريخي؟ من خلال المقاربة التاريخية للترجمات، يمكن أن تحدد معرفة للإنتاج الأدبي. يمكننا القيام بمقابلات تزامنية أو تعاقبية بين الترجمات وتطور الأجناس (مسألة مطروحة في الفصلين السابع والثامن). تسمح المنظورات التزامنية والتعاقبية بمقاربة مسألة معرفة نص أجنبي وانتشاره، وذلك هو أساس كل دراسة للتلقي، كما سنرى لاحقاً.

يفضل بعضهم الترجمة الأولى للامساك بتطور دخول نص أو مؤلف ضمن ثقافة أجنبية. ولكن سنكون حذرين إزاء تأريخ الترجمات الذي لايحترم إلا نادراً نظام خروج النصوص الأصلية. لهذا التأريخ المزدوج نتائج لايستهان بها في نشر عمل في العالم الخارجي، وفي صورة كاتب في لحظة معينة. دراسة شخصية مترجم ونشاطاته تتقاطع مع الدراسة المخصصة للوسطاء : إنها تستطيع أن تقترب من الدراسة الأحادية، أو السيرة الذاتية، وتستطيع أيضاً أن تؤدي إلى إظهار الفروقات بين معارف العلاقات الأدبية بين البلدان أوالقارات.

أما فيما يتعلق بتقويم عمل الترجمة، بالمعنى الخالص للكلمة، فإنه غير ممكن إلا بتجاوز المنظور التاريخي والوصفي إلى المنظور الذي ينفتح على مسائل الشعرية، لأنها تخص تكوين النص. فيما يتعلق بالكتّاب المترجمين، من الأفضل عدم فصل النشاط الترجمي عن النشاط الإبداعي بالمعنى الدقيق للكلمة.