ما وقفت منه إلا على كل أمرٍ جميلٍ.
يقول ابن هرثمة: صرنا إلى سامرّاء، وبدأت بوصيف التّركيّ، وكنت من أصحابه، فقال لي: «والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة، لا يكون المطالب بها غيري.
فعجبت من توافقهما في الرّاي؛ ولمّا دخلت على المتوكّل سألني عنه. فأخبرته بحسن سيرته، وسلامة طريقه، وورعه وزهده؛ وأنّي فتّشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم، وأنّ أهل المدينة خافوا عليه لمّا وردت المدينة، وضجّوا بأجمعهم، ولم يهدأوا إلا بعد أن حلفت لهم بأنّ الأمير لا يريد به سوءاً . . فأكرمه المتوكّل، وأنزله في دارٍ قد أعدّها له.
ويروى أنّ المتوكّل لم يأذن للإمام عليه السلام بالدخول عليه، في اليوم الذي وصل به إلى سامرّاء، بل أنزله في خانٍ يعرف بخان الصّعاليك، فأقام فيه يومه، وفي اليوم الثاني أذن له بالدخول عليه، ثم أفرد له داراً ليسكن فيها.
خلال وجود الإمام في سامرّاء، كان المتوكّل يتظاهر بتعظيمه وإكرامه، لكنّه كان يراقب جميع تحرّكاته وتصرّفاته. وكان أنصار الإمام يتّصلون به في الغالب عن طريق الكتابة والمراسلة. وكان المتوكّل يستدعيه إلى مجلسه بين الحين والآخر. وكان كثيراً ما يأمر رجاله بالإغارة على دار الإمام وتفتيشها، بحثاً عن المال والسلاح، فيقابلهم الإمام عليه السلام بهدوءٍ وثقةٍ، ويساعدهم في التفتيش أحياناً.
ويروى في هذا المقام أن أحد رجال المتوكّل ويدعى «البطحانيّ»، وكان يضمر للإمام عداوةً شديدةً، سعى بالإمام إلى المتوكل قائلاً: إنّ عنده أموالاً وسلاحاً، فأمر المتوكل حاجبه واسمه سعيد بالهجوم على الدار ليلاً، فقصد الحاجب دار الإمام مع رجاله، وصعدوا على سطحها بواسطة سلّم أحضروه معهم، لكنّهم لم يروا طريقهم في
الظلام، فنادى الإمام الحاجب قائلاً: يا سعيد، مكانك حتّى يأتوك بشمعةٍ، ثم أتوا له بشمعةٍ فنزل مع رجاله، ووجد الإمام مرتدياً جبّةً وقلنسوةً من صوفٍ، وهو متوجّه إلى القبلة للصلاة،