وقد عبر الله سبحانه عن هذه الطريقة الالتفافية، وهذا التمويه للأمور، بأنه تدلية تارة. أي تقريب وإيصال، وبأنه وسوسة أخرى. وهي إلقاء الكلام من طرف خفي.. وكلا الأمرين حاصل في المورد..
وقد حاول إبليس أن يخبر آدم عليه السلام بأمور تفرض عليه أن يندفع للأكل من الشجرة، وكأنه لا يشعر بأن أحداً يطلب منه ذلك أو يدفعه إليه، خصوصاً إذا لاحظنا الرواية التي تحدثت عن تخفي إبليس بين لحيي حية، وما أخبره به من عدم منع الملائكة له، فيما لو اقترب إليها، كما تقدم.
لو لم يأكل من الشجرة لاستحق الطرد الإلهي:
وبعد هذا الذي قدمناه، فإنه لا يمكن للنبي آدم عليه السلام أن يقف من هذا الأمر موقف اللامبالاة، فضلاً عن أن يرفضه وينأى بنفسه عنه، ما دام أن ذلك يدخل في سياق أهدافه، ويجسد له طموحاته النبيلة والصالحة، كأفضل وأتم وأعلى ما يكون التجسيد. فقد أصبح ملزماً بملاحقة حتى الاحتمال مهما كان ضعيفاً وموهوناً.. لأنه كان على استعداد للتضحية بكل غال ونفيس من أجل الوصول إلى تلك الأهداف السامية..
ولو أنه قصر في طلب هذا الأمر، وفي التحقق منه، لزال استحقاقه لمقام النبوة، ولم يعد أهلاً لمواقع القرب والرضا والزلفى.. بل كان مستحقاً للطرد والإبعاد عن رحمة الله سبحانه، ومن الجنة بصورة قاسية ومهينة، لأن ذلك معناه أنه يؤثر الخلود إلى الأرض، والاستجابة إلى شهواته وغرائزه على رضا الله تعالى، وعلى مواقع الكرامة والزلفى منه جلّ وعلا..
ولكن كان على النبي آدم أن يحتاط لنفسه، فيختار الأكل من سنخ