نعم.. هناك فيض مستمر منه تعالى على هذا
الإنسان، حيث يفيض عليه الوجود والحياة،
والقدرة، وكل ما يملكه لحظة فلحظة.. حتى
حين يمارس أفعاله..
ولكن هذا الفيض والعطاء لا يعني أنه تعالى
هو الذي يفعل، أو يجبر على الفعل.. بل هو
يعطي ونحن نأخذ، والآخذ يتصرف فيما يأخذ
كيف نشاء..
وهذا كما لو أعطى الأب ولده أموالاً
ليصرفها في حاجاته المشروعة، وحدد له
موارد الصرف.. فإنه قد يصرفها في مواردها،
وقد يصرفها في غيرها.. فإن الوالد لا يلام
على إعطائه المال، لأنه قد أعطاه إياه على
سبيل الإحسان إليه.. كما أنه لا يطالب بما
يفعله ذلك الولد..
وربما يمكن أن يمثل لذلك بالطاقة
الكهربائية التي نحصل عليها من مولدها..
فإننا نحن الذين نختار توظيف تلك الطاقة
في هذا الفعل أو في ذاك، فنستفيد منها في
التدفئة تارة، وفي التبريد أخرى، وفي
الإنارة ثالثة، و.. و.. الخ.. وقد نقتل أو
نعذب بها إنساناً أيضاً..
وفي جميع الأحوال: فإننا نحن الذين نختار،
ونحن نتحمل مسؤولية ما نختاره. وليس
للمولِّد أو لصاحبه أي ذنب في ذلك.. ولا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة 11/
يطالبون بآثار اختياراتنا نحن للطاقة
التي يضعونها تحت اختياراتنا، كما أن
المنافع التي نحصل عليها من خلال توظيفنا
للطاقة في الموارد النافعة لا يصل إليهم
منها شيء..
وفي جميع الأحوال نقول: إن الله بكل شيء
عليم، ولكن علمه هذا ليس له دور في صنع
الفعل.. بل هو يعلم أن الفعل سيتحقق، عن
إرادة واختيار منا.. فهو تعالى يعلم
بالفعل، ويعلم بأنه سيحصل باختيارنا
وبإرادتنا له، وهو علم صادق بلا شك، ولكن
صدقه لا يعني أن له أي تأثير في المعلوم..
والحمد لله رب العالمين.
الضار، النافع، من أسماء الله
السؤال (241):
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام
على محمد وآله..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قد ذكروا في جملة أسماء الله الحسنى:
«الضار، النافع» فهل يمكن أن يكون الله
تعالى ضاراً حقاً؟!
الجواب:
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد
وآله الطاهرين.. وبعد..
1ـ إنه تعالى قد يصنع بالإنسان ما يعتبره
الإنسان ضرراً عليه، ويدخل عليه ما يراه
نقصاً من راحته.. كما هو الحال في عقوبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة 12/
المجرم، فإن تشريع العقوبة وإجراءها خير
للبشرية. ولكن المجرم يرى أن هذه العقوبة
ضرر عليه، وهو لا يتذكر أو لا يقنع بأن ما
أحدثه من ضرر على غيره، أو في بعض شؤون
الحياة من خلال الجريمة التي ارتكبها.. قد
جعله يستحق هذا القدر من الأذى، ومن الصعب
أن يعترف بأن وجود أمثال هذه العقوبة فيه
حفظ للسلامة العامة، وهو من أعظم المنافع
لبني البشر..
2ـ كما أن مما لا شك فيه أن السنن الكونية
أمر ضروري، وفيه الصلاح والخير.. ولكن لو
جرت بعض هذه السنن كأن حدث زلزال أتلف بعض
الأموال لإنسان ما، فإنه يعتبر نفسه
متضرراً، ويظهر التذمر الشديد من ذلك،
ويفترض: أن عدم حدوث وإجراء تلك السنة كان
هو الأولى، مع علمه بأن الله سبحانه هو
الذي أوجد تلك السنة!!
فينسب ما لحق به من نقص يراه بسبب الزلزال
لله تعالى، لأن الله سبحانه هو الذي يحرك
هذه السنن.. لمصلحة اقتضاها التكوين،
فينشأ عنها ما يعتبره ضرراً، فهو تعالى
الضار، النافع بهذا المعنى، من دون أن
يلزم من ذلك نسبة ما يسيء إلى مقام العزة
الإلهية، بل إن هذا الوصف فيه تجليل،
وتبجيل. وفيه تعريف بالله جل وعلا، من خلال
صفات فعله تبارك وتعالى..
3ـ إنه قد يكون المراد: أنه قادر على النفع
وعلى الضرر، بحكم مالكيته تعالى لكل شيء..
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد
وآله الطيبين الطاهرين..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
/صفحة 13/
كيف نال النبي (صلى الله عليه وآله)
مقاماته قبل أن يعمل؟
بسمه تعالى
هنا سؤالان:
السؤال(242):
1ـ إنكم تقولون: إن النبي محمداً (صلى الله
عليه وآله) كان نبياً منذ صغره، وتقدمون
النبي عيسى (عليه السلام) كمثال على صحة
ذلك، حيث قال عن نفسه حين ولادته، كما أخبر
الله تعالى عنه: {إِنِّي عَبْدُ اللهِ
آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي