بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أحل خراج بلاده للمؤمنين من عباده، وألهم قلوب من يعتد بكلامه حل تناوله واختصامه، وصلى الله على محمد وآله الذين بينوا لنا جميع حرام الله وحلاله. وبعد، فيقول الفقير الفاني ماجد بن فلاح الشباني (الشيباني خ ل): إنه قد اشتهر أن مولانا أحمد الأردبيلي سلمه الله تعالى وأبقاه - يقول بتحريم الخراج، وقد سألني جماعة من أصحابه عن ذلك، فقلت لهم: المناسب أن يكتب مولانا في ذلك شيئا يدل على تحريمه. فبعد مدة ظهرت منه رسالة محصلها أن الخراج فيه شبهة. وأنا أنقل عبارته حرفا بحرف خوفا من التغيير والتبديل وكثرة الاقاويل. فقال دام ظله ومتعنا الله ببقائه وكثر من مثله وأمثاله: " إعلم وفقك الله لمرضاته أن الخراج لا يخلو عن شبهة، فإنه على ما فهم من كلامهم إنه كالأجرة المضروبة على الأرض التي فتحت عنوة، وكانت عامرة حين الفتح، وفي معناه: المقاسمة، سواء كانت من عين حاصل الأرض كالثلث أو من النقد بل غيره
أيضا. وقيل: إنه مختص بالقسم الثاني والمقاسمة بالأول، وقد يفرق بالمضروب على الأرض أو المواشي، وهي التي أخذت بالسيف والغلبة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو مع الإمام عليه السلام أو نائبهما في الجهاد، وإلا يكون فيئا لهما عليهما السلام على ما يفهم من عباراتهم، وإن كان دليلهم لا يخلو عن ضعف، إلا كلام المحقق في المعتبر (1) والنافع، (2) فإنه يدل على تردده في كون ما أخذه العسكر بغير إذنه فيئا - وقالوا: وهذه الأرض للمسلمين قاطبة، فيكون حاصلها لهم وأمرها إلى الإمام عليه السلام ويصرف حاصلها في مصارف المسلمين من المساجد والقناطر والقضاة والأئمة والمؤذنين وسد الثغور والغزاة وغيرها، وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس، لأنه من الغنيمة، وكلام أكثر الأصحاب خال عنه، ونبه عليه الشيخ إبراهيم (3) في نقض الرسالة الخراجية لعلي بن عبد العالي، وفي العبارة المنقولة عن المبسوط (4) تصريح بوجوب الخمس في هذه الأراضي " إنتهى كلامه دام ظله (5). وأقول: إن المفهوم من قوله " فإنه.. الخ " كون هذا الكلام دليلا على كون الخراج فيه شبهة، ولا يخفى أن هذا الكلام بأسره لا دلالة له على مدعاه بشئ من الدلالات الثلاث، يعرف ذلك من كان سالكا طريق الانصاف، فإن كونه كالأجرة وكون المقاسمة في معناه واختصاصه بالقسم الثاني، والمقاسمة بالأول لا يدل على حل ولا تحريم ولا شبهة. وقوله: " وقد يفرق بالمضروب على الأرض أو المواشي " لاربط له بما قبله ولا بما بعده.
(1) المعتبر: كتاب الخمس ص 296. (2) المختصر النافع: كتاب الخمس ص 64. (3) السراج الوهاج لدفع عجاج قاطعة اللجاج: المطبوع في ضمن الكتاب ص 58. (4) المبسوط: ج 2 كتاب الجهاد ص 28 و 34. (5) راجع خراجية المحقق الأردبيلي (ره) المطبوعة في ضمن الكتاب ص 17 18.
وقوله " وإلا يكون فيئا " إن أراد به غنيمة الغازي بغير إذن الإمام كما يفهم من آخر هذه العبارة، فالصواب تركه، لأن المفروض كون الجهاد مع النبي أو الإمام أو نائبه في الجهاد، على ما صرح به فكيف يكون ما أخذه فيئا؟ وإن أراد به غيره فلا بد من بيانه. وقوله " وهذه للمسلمين إلى قوله وينبغي كون ذلك بعد إخراج الخمس " لادخل له في الاستدلال على التحريم ولا الشبهة، بل إن كان ولا بد يكون دليلا على كون الخراج حلالا. قال دام ظله: " واعلم أيضا أنه ما ثبت كون الأرض فتحت عنوة على الوجه المذكور إلا ما ثبت في زمان النبي صلى الله عليه وآله كونه كذلك، وأما غيره فالعراق وجد كونها مفتوحة عنوة في كثير من العبارات، حيث فتحت في زمان الثاني بالقهر، وقيل كان بإذن أمير المؤمنين عليه السلام وكان الحسنان عليهما السلام مع العسكر وقد منع ذلك، وذلك منقول عن فخر الفقهاء ووالده في التنقيح، ويفهم ذلك من كلام المبسوط (1) وإن يفهم خلافه أيضا، وبالجملة ما ثبت كونه كذلك " (2) إنتهى كلامه دام ظله. وأقول: إن هذا الكلام مع قطع النظر عما فيه من عدم تحرير العبارة وربطها، لا يظهر المعطوف عليه ما هو؟ والمفهوم أن أرض العراق لم يثبت كونها خراجية، وهو مع تسليمه لا يدل على كون الخراج فيه شبهة، بل إن ثبت دل على أن المأخوذ منها بطريق الخراج حرام إن قلنا بأن القسمة للغازين أو قلنا بأنها للامام ولم نقل بأنه عليه السلام جعلها كأرض الخراج تفضلا منه كما يجئ في كلام هذا المصنف. وقوله: " وبالجملة لم يثبت كونه كذلك " بعد تصريح العلماء بأنها لا خلاف
(1) المبسوط: ج 2 كتاب الجهاد ص 33. (2) راجع خراجيته (ره)، ص 18.