سورة الكوثر وهي اصغر السور , لا بعدد الآيات , بل بعدد الكلمات والحروف .وقد أشار المفسرون إلى ذلك . كما إن لها هدفا واضحاً , على بعض التقادير , كما سيأتي بيانه . واما عن تسميتها ففيها الأطروحات الآتية : الأولى : الكوثر , وهو الأسم المشهور . الثانية : السورة التي ذكر فيها الْكَوْثَرَ . وذلك على طريقة الشريف الرضي .(قدس سره ) . الثالثة :إعطاؤها رقمها , في ترتيبها من المصحف الموجود وهو : 108 . وأهم الأسئلة التي ترد في هذه السورة المباركة , هي عن معنى : الكَوْثَرَ والنحر والأْبتَرُ . سؤال : ما معنى الْكَوْثَر؟ جوابه : قال الرازي (1) في هامش العكبري : انه الخير الكثير . فوعل من الكثرة .كقولهم : رجل نوفل أي كثير النوافل . ومنه قول الشاعر : وأنت كثير يا ابن مروان طيب وكان أبوك ابن العقائل كوثرا أقول : ينبغي أن نسلم بان الكوثر الخير الكثير . أو كثرة الخير . لا بمعنى ذو الخير الكثير .وان صح ذلك مجازا , وإلا سوف يسقط تفسير الآية . اذ يكون المعنى : إِنا أعطيناك ذا الخير الكثير . وهو مما لا محصل له إلا على بعض التفاسير الشاذة . بل يراد من الكوثر المصدر , ويسند الى الرجل تجوزاً , كما يقال : زيد عدل , أي ذو عدل او متصف بالعدل . فنحتاج إلى التقدير . وهذا هو الاشتباه الذي وقع به
الرازي . (1) ج2 ص 157 . والكوثر يمكن أن يكون بمعنى المصدر . وان يكن بمعنى اسم المصدر . والفرق بينهما - كما أشرنا في درس الأصول - إن المصدر عبارة عن المعنى حال كونه ملوحظا متحركاً ومستمراً . واسم المصدر عبارة عن المعنى حال كونه ثابتاً قائماً بنفسه . فالخبر الكثير يمكن أن يلحظ ثابتاً مفهوماً , فيكون اسم مصدر ويمكن ان نتصور له معنى مستمراً , فيكون مصدراً . وعلى ذلك , فالكوثر الخير الكثير أو كثرة الخير ,وعليه تحمل سائر المعاني . التي ذكرت للكوثر . حتى إنها بعضهم إلى ستة وعشرون معنى . كما في الميزان (1) . وكلها مصاديق بالحمل الشائع منه . ومن هنا يتضح ما ذكره في الميزان , حيث قال : (2) واختلفت أقوالهم في نفس الكوثر اختلافا عجيبا . فقيل : هو الخير الكثير . وقيل نهر في الجنة , وقيل : حوض النبي (ص) في الجنة .أو في المحشر , وقيل أولاده , وقيل : أصحابه وأشياعه الى يوم القيامة .وقيل علماء أمته . وقيل : القرآن وفضائله كثيرة , وقيل :
النبوة . وقيل : تيسير القرآن وتخفيف الشرائع . . وقيل الإسلام . قيل : التوحيد . وقيل : العلم والحكمة . وقيل : فضائله (ص) . وقيل : المقام المحمود . وقيل : هو نور قلبه (ص) , إلي غير ذلك مما قيل . أقول : فكل ذلك مصاديق من الكوثر , ولا تنافي بينها , وكلها ليست كوثراً بالمفهوم او بالحمل الأول .بل هي منه بالحمل الشايع . ومعه يمكن القول بصدق الأقوال كلها من هذه الجهة , مع وجود حصص أخرى للخير الكثير لم يلتفت إليها المفسرون . وخاصة إن علمنا إن الكوثر من مختصات النبي (ص) وكل مختصاته خير كثير بل هي غير متناهية , بل أن كل صفاته كوثر , من مصاديق الكوثر . وقد عرفنا إنها معانٍ غير متنافية . ولكن على تقدير التنافي , كما هو ظاهر قائليها , وظاهر المفسرين , كما هو ظاهر الميزان أيضاً , لابد من الرجوع في التعيين إلى حجة . وإلا كان من تفسير القرآن بالراي وهو محرم .والحجة هنا , هي أما ظاهر القرآن او هي السنة الشريفة . فإن أقمناها , لم يبقى أمامنا معنيان أو ثلاثة , على ما سيأتي . ( 1) ج20 ص370 . (2) المصدر والصفحة . والمعاني المهمة المتصورة ثلاثة : المعنى الأول : الذرية , بدليل قوله تعالى : إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ . إذا فسرناه بما فسره مشهور المفسرين وايده صاحب الميزان . حين قال : ( 1)الابترمن لاعقب له . فيكون ذلك . بمنزلة القرينة المتصلة على ان المراد هو الذرية . وبه يتحد مضمون السورة كلها , وهدفها , وقد وردت في ذلك روايات , نقلها صاحب الميزان (2). فراجع . المعنى الثاني : الحكمة , بدليل قوله تعالى (3) ) وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(البقرة:
من الآية269) فهي إذن الخير كثير بالحمل الشائع بنص القرآن , فيكون بمعنى الكوثر . المنى الثالث : حوض الكوثر .أو نقول ماء في الدار الآخرة , أما بشكل حوض أو نهر , في القيامة أو الجنة . فان شكله الحقيقي عن الله , وهو مما لا نفهمه بطبيعة الحال .وعلى أي حال , فهذا المعنى ما استفاضت به
الروايات . واشهر حديث روي (4) عن الفريقين : علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض .وهو حوض الكوثر لاغير . وقلنا انه لا تنافي فبين هذه المعاني , لورود روايات بوجود بواطن للقرآن الكريم . فليكن هذا منها . ولكن مع التنزل عن ذلك , يمن القول : بان هدف السورة بمنزلة القرينة المتصلة على إن المراد من الكوثر هو الذرية