(إنّ في أعناقنا بيعة لابي جعفر، فقال: إنّما بايعتم مكرهين، وليس على مكره يمين، وأسرع الناس إلى محمّد ولزم مالك يمينه)(1).
ويقول ابن حزم: (وقد أباح الله عزّ وجلّ كلمة الكفر عند التقيّة)(2).
وفي حديث لابي الدرداء: (إنّا لنكشّر في وجوه قوم وإنّ قلوبنا تلعنهم)(3).
فالشيعة لم يكونوا وحدهم القائلين بالتقيّة، بل الفكر الاسلامي من محدّثين وفقهاء وعلماء آمنوا بهذا البند في حالات مخصوصة، وبما أنّ تلك الحالات المخصوصة كانت هي الحياة الطبيعيّة للشيعة على مرّ التاريخ، فاضطرّوا إلى أن يتعايشوا جنباً إلى جنب مع التقيّة لحفظ دماءهم وأموالهم وأعراضهم.
كلّ ذلك تجاهله الكاتب وشنّع على التشيّع في مورد التقيّة وجعلها من مدعيات الشيعة لتفسير ظاهرة التناقض بين أقوال الائمّة من أهل البيت وسيرتهم العلنيّة على حدّ زعمه(4).
شنّع الكاتب ـ كما فعل الذين من قبله ـ على الشيعة في قولهم إنّ الائمّة يعلمون الغيب، ولم يميّز الكاتب أي أنواع العلم بالغيب يعلمه الائمّة (عليهم السلام)، بل أطلق الكلمة من دون تحديد، ومن المعلوم أنّ علم الغيب له قسمان:
اختصّ الله تعالى به.
أطلع الله رسوله وأولياءه عليه.
ومن شواهد القسم الاوّل، قوله تعالى:
(قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِى السَّمَـوَاتِ وَالاَْرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهَ)(5)
و(فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لله)(6)
و(عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ)(7).
(1) الكامل في التاريخ: ج 5، ص 532. (2) الفصل في الملل والاهواء والنحل: ج 3، ص
111. (3) تفسير المنار: ج 3، ص 281. (4) أحمد الكاتب، تطوّر الفكر السياسي: ص 78. (5) النمل: الاية 65. (6) يونس: الاية 20. (7) الانعام: الاية 59.