نظریة الکسب فی أفعال العباد

جعفر سبحانی تبریزی

نسخه متنی -صفحه : 33/ 7
نمايش فراداده

*( 11 )*
الماء، وقد بلغ إصرارهم على إنكار أصل العلّّيّة حداً كفّروا من يتفوّه بالعلّيّة أو مقتضى الطبيعة
ـ كما نقله الزبيدي ـ.
وهذا هو الأزهر كان يُدّرس فيها قول الناظم:
ومن يقل بالطبع أو بالعلّة * فذاك كفـر عند أهل الملّـة
نعم ظهر في الآونة الأخيرة مفكِّرون آثروا اتّباع الحقّ على تقليد الأئمة وأصحروا بالحقيقة كما
تأتي أسماؤهم ونصوصهم فانتظر.
  --------------------
*( 12 )*
*2*

*التوحيد في الخالقية عند الإماميّة*

اتّفق أهل القبلة ـ إلاّ من شذّ كالمعتزلة ـ على التوحيد في الخالقية وانّه لا خالق إلاّ اللّه
سبحانه، وقد قامت الإمامية منهم بتفسيره بوجه لا ينافي القول بنظام الأسباب والمسبّبات والعلل
الطبيعية ومعاليلها، وإليك حاصل نظريتهم.
إنّ الخالقية المستقلّة النابعة من الذات، غير المعتمدة على شيء منحصرة باللّه سبحانه ولا يشاركه
فيها شيء، وأمّا
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-قلنا«عند الإمامية» و لم نقل عند العدلية، لأنّ هذا التفسير يختصّ بهم وأمّا المعتزلة الذين
يُعدّون من العدلية فقد أنكروا هذا الأصل، لأجل صيانة عدله سبحانه زاعمين أنّ القول بهذا الأصل
يضاد أصل العدل، غافلين عن أنّ المضاد هو التفسير الأشعري، لا الإمامي. وقد فصّلنا الكلام في ذلك في
محاضراتنا المنتشرة باسم:«الإلهيات» فلاحظ.
--------------------
*( 13 )*
غيره سبحانه فإنّما يقوم بأمر الخلق والإيجاد بإذن منه وتسبيب، ويعدّ الكلّ جنوداً للّه سبحانه،
يعملون بتمكين منه لهم .ويظهر هذا المعنى من ملاحظة الأُمور التالية:
الأوّل: لا يشك المتدبّر في الذكر الحكيم في أنّه كثيراً ما يُسنِد آثاراً إلى الموضوعات الخارجية
والأشياء الواقعة في دار المادة، كالسماء وكواكبها ونجومها والأرض وجبالها وبحارها وبراريها
وعناصرها ومعادنها والسحاب والرعد والبرق والصواعق والماء والأعشاب والأشجار والحيوان والإنسان
إلى غير ذلك من الموضوعات الواردة في القرآن الكريم. فمن أنكر إسناد القرآن آثار تلك الأشياء إلى
أنفسها فإنّما أنكره باللسان، وقلبه مطمئن بخلافه، وسيوافيك في الفصل التالي شيء من الآيات
الناصّة على ذلك.
الثاني: انّ القرآن يُسند إلى الإنسان أفعالاً لا يقوم بها إلاّ هو، ولا يصحّ إسنادها إلى اللّه
سبحانه بلا واسطة، كأكله وشربه ومشيه وقعوده ونكاحه وحربه وجداله وصلاته وصيامه، فهذه أفعال قائمة
بالإنسان مستندة إليه، فهو الذي
--------------------
*( 14 )*
يأكل ويشرب ويحارب ويجادل ويفهم و يصلّي و يصوم وهو سبحانه منزّه عن هذه الأفعال.
الثالث: انّ اللّه سبحانه أمر الإنسان بالطاعة أمر إلزام، ونهاه عن المعصية نهيَ تحريم، فيجزيه
بالطاعة، ويعاقبه بالمعصية. فلو لم يكن للإنسان دور في ذلك المجال، وتأثير في الطاعة والعصيان فما