والحقّ الذي عليه البرهان ويصدّقه الكتاب هو كون الفعل موجوداً بقدرتين، لكن لا بقدرتين
متساويتين، ولا بمعنى علّتين تامّتين، بل بمعنى كون الثانية من مظاهر
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-قد تقدّم في ص12 انّ المعتزلة، أنكرت هذا الأصل من رأس، لغاية حفظ عدله وتنزيهه من الظلم والعمل
السيّئ، وزعمت انّ وجود الإنسان مخلوق للّه وفعله مخلوق لنفس الإنسان فقط، فأخرجت أفعال العباد عن
سلطان اللّه تبارك و تعالى، ونعم ما قال الإمام الكاظم ـ عليه السَّلام ـ : «مساكين القدرية أرادوا
أن يصفوا اللّه بعدله، فأخرجوه عن سلطانه» وسيوافيك في خاتمة المطاف ما يفيدك في المقام .
--------------------
*( 18 )*
القدرة الأُولى وشؤونها وجنودها:(*وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ*)^(1)وقد جرت سنّة
اللّه تعالى على خلق الأشياء بأسبابها، فجعل لكلّ شيء سبباً، وللسبب سبباً، إلى أن ينتهي إليه
سبحانه، والمجموع من الأسباب الطولية علّة واحدة تامّة كافية لإيجاد الفعل، والتفصيل يطلب من
محله، ونكتفي في المقام بكلمة عن الإمام الصادق ـ عليه السَّلام ـ : «أبى اللّه أن يجري الأشياء إلاّ
بأسباب، فجعل لكلّ شيء سبباً وجعل لكلّ سبب شرحاً».^(2)
وبهذه النظرية ـ أي نظرية كون العالم مخلوقاً على النظام السببي و المسببي وانّ فيه فواعل اضطرارية
كما أنّ فيه فواعل اختيارية ـ تتناسق الأُمور الثلاثة الماضية^(3) وتتوحّد نتائجها، وهذا بخلاف ما
إذا قلنا بالنظرية الأُولى فانّها توجب التضاد بين الأُمور الثلاثة المسلمة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
1-المدثر:31 .
2- الكافي:1/183، باب معرفة الإمام، الحديث7.
3-لاحظ ص 13 ـ 14.
--------------------
*( 19 )*
*3*
قد تقدّم انّ المسلمين إلاّ من شذّ تبعاً للذكر الحكيم والبراهين العقلية اتّفقوا على حصر الخالقية
في اللّه سبحانه وعدُّوه من مراتب التوحيد ولا يصحّ الحصر ولا ينسجم مع سائر الأُصول إلاّ إذا فسر
على النحو الذي مرّ آنفاً، فالقول بهذا الحصر ـ على ما فسرنا ـ لا ينافي الإيمان بالعلل والأسباب
الطولية والنظام السائد على العالم من العلّية والمعلولية، المنتهي إلى اللّه سبحانه.
غير انّ الإمام الأشعري ومن تبعه أخذوا بظواهر بعض الآيات فأنكروا أصل التأثير حتّى الظلي والتبعي
في غيره سبحانه ولم يعترفوا إلاّ بعلة واحدة وهي اللّه سبحانه،
--------------------
*( 20 )*
القائم مكان عامة العلل، فجعلوا الظواهر كلّها مخلوقة للّه بالمباشرة وبلا توسط سبب وكأنّ من أنكر
ذلك التفسير فقد أنكر التوحيد في الخالقية، غير انّ ذلك التفسير مردود من جهات نشير إلى بعضها.
*الأُولى: تصريح القرآن بتأثير العلل الطبيعة*
إنّ القرآن الكريم يصرح بوضوح كامل بتأثير بعض الأشياء في بعض ويكشف عن نظام سائد على العالم نظاماً
عليّاً ومعلولياً، سببياً ومسببياً، ونحن نذكر في المقام بعض الآيات:
1. (*وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِرَاتٌ وَجَنّاتٌ مِنْ أَعْناب وَزَرعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ