نفح الطیب من غصن الاندلس الرطیب

احمد بن محمد مقری؛ تحقیق: احسان عباس

نسخه متنی -صفحه : 1819/ 696
نمايش فراداده

في مجلس أنسه وما اتفق في ذلك له معه وأنه وصف له بلاد الأندلس وحسنها وطيبها فارتحل المغني إليها
ومات بها حسبما لخصناه من كلام الكاتب ابن الرقيق الأديب المؤرخ في كتابه قطب السرور ولولا أنه لم
يسم المغني المذكور لجعلنا له ترجمة في هذا الباب إذ هو به أليق والأمر في ذلك سهل والله تعالى
الموفق للصواب الشيخ يوسف الدمشقي الشاذلي 403 الشيخ يوسف الدمشقي الشاذلي 86- ومنهم الولي الصالح
العارف بالله سيدي يوسف الدمشقي رضي الله تعالى عنه! وهو كما قال ابن داود من كبار الأولياء شاذلي
الطريقة قدم من المشرق إلى الأندلس وكان يأتي مدينة وادي آش الكرة بعد الكرة لزيارة معارف له بها
وكان من الذين أخفاهم الله لا يعرف به إلا من تعرف له أعاد الله تعالى علينا من بركاته! قال العلامة
ابن داود وحدثني مولاي والدي رضي الله تعالى عنه من لفظه بتلمسان أمنها الله تعالى يوم الاثنين
لثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول الشريف سنة 895 قال دخل علي سنة شهر رمضان المعظم في زمان
ولايتي الخطابة والإمامة بالعراص من خارج وادي آش أعادها الله تعالى! فقعدت أول ليلة منه منفردا
بالمسجد الأعظم من الرباط المذكور بين العشاءين وفكرت في ذكر أتخذه
--------------------
163
في هذا الشهر المبارك يكون جامعا بين الدنيا والآخرة فأجمعت على مطالعة حلية النواوي لعلي أقف على
ما أختاره لذلك فلما أصبحت دخلت إلى المدينة ولم أكن أطلعت على فكرتي أحدا فلقيني الحاج الأستاذ أبو
عبد الله بن خلف رحمه الله تعالى في الطريق فقال لي سيدي يوسف الدمشقي يسلم عليك ويقول لك الذكر الذي
تعمر به هذا الشهر الفاضل اللهم ارزقني الزهد في الدنيا ونور قلبي بنور معرفتك قال والدي رضي الله
تعالى عنه وكان هذا سبب تعرفي له ولقائي إياه وكنت قبل ذلك منكرا عليه لكثرة الدعاوى في هذا الطريق
نفع الله تعالى به! انتهى ولنجعل هذه الترجمة آخر هذا الباب تبركا بهذا الولي الصالح نفعنا الله
تعالى ببركاته! مع علمي بأن الوافدين من المشرق على الأندلس كثيرون جدا إلا أن عدم المادة التي
أستعين بها في هذه البلاد تبين عذري ولو اجتمعت على كتبي المخلفة بالمغرب لأتيت في ذلك وغيره بما
يشفي ويكفي [ بحر البسيط ] وفي الإشارة ما يغني عن الكلم بحمده تعالى تم الجزء الثالث من نفح الطيب
ويليه الجزء الرابع نبذة مما من الله به على أهل الأندلس 3 نبذة مما من الله به على أهل الأندلس في
نبذة مما من الله تعالى به على أهل الأندلس من توقد الأذهان وبذلهم في اكتساب المعارف والمعالي ما
عز وهان وحوزهم في ميدان البراعة من قصب اليراعة خصل الرهان
--------------------
164
وجملة من أجوبتهم الدالة على لوذعيتهم وأوصافهم المؤذنة بألمعيتهم وغير ذلك من أحوالهم التي لها
على فضلهم أوضح برهان اعلم أن فضل أهل الأندلس ظاهر كما أن حسن بلادهم باهر ولذلك ذكر ابن غالب في
فرحة الأنفس لما أثنى على الأندلس وأهلها أن بطليموس جعل لهم -من أجل ولاية الزهرة لبلادهم- حسن
الهمة في الملبس والمطعم والنظافة والطهارة والحب للهو والغناء وتوليد اللحون ومن أجل ولاية عطارد
حسن التدبير والحرص على طلب العلم وحب الحكمة والفلسفة والعدل والإنصاف وذكر ابن غالب أيضا ما خصوا
به من تدبير المشتري والمريخ وانتقد عليه بعضهم بأن أقاليم الأندلس الرابع والخامس والسادس في
ساحلها الشمالي والسابع في جزائر المجوس وللإقليم الرابع الشمس وللخامس الزهرة وللسادس عطارد
وللسابع القمر والمشتري للإقليم الثاني والمريخ للثالث ولا مدخل لهما في الأندلس انتهى ثم قال صاحب
الفرحة وأهل الأندلس عرب في الأنساب والعزة والأنفة وعلو الهمم وفصاحة الألسن وطيب النفوس وإباء
الضيم وقلة احتمال الذل والسماحة بما في أيديهم والنزاهة عن الخضوع وإتيان الدنية هنديون في إفراط
عنايتهم بالعلوم وحبهم فيها وضبطهم لها وروايتهم بغداديون في نظافتهم وظرفهم ورقة أخلاقهم
ونباهتهم وذكائهم وحسن نظرهم وجودة قرائحهم ولطافة أذهانهم وحدة أفكارهم ونفوذ
--------------------
165
خواطرهم يونانيون في استنباطهم للمياه ومعاناتهم لضروب الغراسات واختيارهم لأجناس الفواكه