- لما ادعى مسيلمة النبوة لم يكتف قومه بسماع أسجاعه لتصديقه فيما يدعي ولا سيما أنه كان يبلغهم معجزات النبي التي بهرت ألباب العرب، فكانوا يأتون إليه ملتمسين منه المعونة عند الحاجة وليروا قدرته على إتيان المعجزات كجميع الأنبياء، فكان يرى نفسه مضطرا إلى إجابة مطالبهم وإلا كذبوه وسخروا منه وانصرفوا من حوله، فحاول أن يظهر لهم بعض أعماله بيد أنه لم يوفق في واحد منها، ويا ليته لم يوفق فقط، بل كانت تأتي أعمال بعكس المقصود. وهذا خذلان وخزي من اللّه تعالى ليتجلى للخلق كذبه وشؤمه على من أتباعه.
أتته امرأة فقالت: إن نخلنا لسحق(1) وإن آبارنا لجرز(2) فادع اللّه لمائنا ونخلنا كما دعا محمد صلى اللّه عليه وسلم لأهل هزمان، فسأل نهارا عن ذلك فذكر أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجه في الآبار ففاضت ماء وأنجبت كل نخلة وأطلعت فسيلا قصيرا مكمما، ففعل مسيلمة مثله فغار ماء الآبار ويبس النخل والعياذ باللّه.
وقال له نهار: أمرر يدك على أولاد بني حنيفة مثل محمد، ففعل وأمر يده على رؤوسهم وحنكهم(3)، فقرع كل صبي مسح رأسه، ولثغ(4) كل صبي حنكه.
وجاء أبو طلحة النمري فسأله عن حاله فأخبره أنه يأتيه رجل في ظلمة فقال: (أشهد أنك الكذاب وأن محمدا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر) فقتل معه يوم عقرباء كافرا.
وقالوا لمسيلمة تتبع حيطانهم كما كان محمد يصنع فصل بها. فدخل حائطا من حوائط اليمامة فتوضأ، فقال نهار لصاحب الحائط: ما يمنعك من وضوء الرحمن فتسقي به حائطك حتى يروى ويبتل كما صنع بنو المهرية - أهل بيت من بني حنيفة - وكان رجل من المهرية قدم على النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخذ وضوءه فنقله إلى اليمامة فأفرغه في بئره ثم نزع وسقى وكانت أرضه تهوما فرويت وجزأت فلم تلف إلا خضراء مهتزة، ففعل الرجل فعادت يبابا لا ينبت مرعاها.
وأتاه رجل فقال: ادع اللّه لأرضي فإنها مسبخة كما دعا محمد لسلمى على أرضه، فقال ما يقول يا نهار، فقال قدم عليه سلمى وكانت أرضه سبخة فدعا له وأعطاه سجلا من ماء(5) ومج له فيه(6) فأفرغه في بئره ثم نزع فطابت وعذبت ففعل ذلك، فانطلق الرجل ففعل بالسجل كما فعل سلمى فغرقت أرضه فما جف ثراها ولا أدرك ثمرها. وأتته امرأة فاستجلبته إلى نخل لها يدعو لها فيها فجذت كبائسها(7) يوم عقرباء كلها.
هذه بعض أعمال مسيلمة المشئومة التي أراد اللّه سبحانه وتعالى أن يفضحه بها، وقد أشرنا إلى أن مستر مرجوليث زعم أن مسيلمة ادعى النبوة قبل النبي صلى اللّه عليه وسلم، لكن هناك ما يثبت عكس زعمه، فإنه حول تقليد الإسلام فأخفق، فمن ذلك أن عبد اللّه بن النواحة كان يؤذن له، وكان الذي يقيم له حجير بن عمير فيزيد في صوته ويبالغ(8) لتصديق نفسه وتصديق نهار وتضليل من كان قد أسلم.
(1) طويلة. (2) انقطع الماء عنها فهي يابسة. (3) حنكت الصبي تحنيكاً: مضغت تمراً أو نحوه ودلكت به حنكه. (4) ثقل لسانه بالكلام. (5) السجل: الدلو العظيمة. (6) مج الرجل الماء من فيه: رمى به. (7) الكبائس جمع الكباسة وهي عنقود النخل والمراد قطعت عناقيد نخلها. (8) عند قوله: أشهد أن مسيلمة رسول اللّه.