احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 2 -صفحه : 529/ 108
نمايش فراداده

ولم قد يستحق أخوة من الأب والأم سهم الأخوة من الأم لمشاركتهم للأخ من الأم في نسبها بل إنما استحقوا بالتعصيب فكانت قرابتهم بالأب والأم مؤكدة لتعصيبهم فلا يستحقون بها أن يكونوا من ذوي السهام وقرابة ابن العم بنسبه من جهة الأم لا تخرجه من أن يكون من ذوى السهام فيما يستحقه من سهم الأخ من الأم وليس لهذا تأثير في تأكيد التعصيب لأنه لو كان كذلك لوجب أن لا يستحق أبدا إلا بالتعصيب كما لا يؤخذ الإخوة من الأب والأم إلا بالتعصيب ولا يأخذون بقرابتهم من الأم سهم الأخوة من الأم والله أعلم باب الرجل يموت وعليه دين ويوصي بوصية قال الله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين الحارث عن علي قال تقرأون الوصية قبل الدين وأن محمدا صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية قال أبو بكر وهذا لا خلاف فيه بين المسلمين وذلك لأن معنى قوله بعد وصية يوصى بها أو دين أن الميراث بعد هذين وليست أو في هذا الموضع لأحدهما بل قد تناولهما جميعا وذلك لأن قوله من بعد وصية يوصى بها أو دين مستثنى عن الجملة المذكورة في قسمة المواريث ومتى دخلت أو على النفي صارت في معنى الواو كقوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا وقال تعالى حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم [ الانعام: 146 ] فكانت أو في هذه المواضع بمنزلة الواو فكذلك قوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين لما كان في معنى الاستثناء كأنه قال إلا أن تكون هناك وصية أو دين فيكون الميراث بعدهما جميعا وتقديم الوصية على الدين في الذكر غير موجب للتبدئة كل بها على الدين لأن أو لا توجب الترتيب وإنما ذكر الله تعالى ذلك بعد ذكر الميراث إعلاما لنا أن سهام المواريث جارية في التركة بعد قضاء الدين وعزل حصة الوصية ألا ترى أنه إذا أوصى بثلث ماله كانت سهام الورثة معتبرة بعد الثلث فيكون للزوجة الربع أو الثمن في الثلثين وكذلك سهام سائر أهل الميراث جارية في الثلثين دون الثلث الذي فيه الوصية فجمع تعالى بين ذكر الدين والوصية ليعلمنا أن سهام الميراث معتبرة بعد الوصية كما هي معتبرة بعد الدين وإن كانت الوصية مخالفة للدين من جهة الاستيفاء لأنه لو هلك من المال شئ لدخل النقصان على أصحاب الوصايا كما يدخل على الورثة وليس كذلك الدين لأنه لو هلك من المال شئ استوفى الدين كله من الباقي وإن استغرقه وبطل حق الموصى له والورثة جميعا فالموصى له شريك الورثة من وجه ويأخذ شبها من الغريم من وجه آخر وهو أن سهام أهل المواريث معتبرة بعد الوصية كاعتبارها بعد الدين وليس المراد بقوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين أن الموصى له يعطى وصيته قبل أن يأخذ الورثة أنصباءهم بل يعطون كلهم معا كأنه أحد الورثة في هذا الوجه وما هلك من المال قبل القسمة فهو ذاهب منهم جميعا باب مقدار الوصية الجائزة قال الله تعالى بعد وصية يوصى بها أو دين ظاهرة يقتضي جواز الوصية بقليل المال وكثيره لأنها منكورة لا تختص ببعض دون بعض إلا أنه قد قامت الدلالة من غير هذه الآية على أن المراد بها الوصية ببعض المال لا بجميعه وهو قوله تعالى (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر فأطلق إيجاب الميراث فيه من غير ذكر الوصية فلو اقتضى قوله تعالى من بعد وصية يوصى بها الوصية بجميع المال لصار قوله تعالى للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون منسوخا بجواز الوصية بجميع المال فلما كان حكم هذه الآية ثابتا في إيجاب الميراث وجب استعمالها مع آية الوصية فوجب أن تكون الوصية مقصورة على بعض المال والباقي للورثة حتى نكون مستعملين لحكم الآيتين ويدل عليه أيضا قوله تعالى وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا يعني في منع الرجل الوصية بجميع ماله على ما تقدم من بيان تأويله فيدل على جواز الوصية ببعض المال لاحتمال اللفظ للمعنيين وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أخبار تلقتها الأمة بالقبول والاستعمال في الاقتصار بجواز الوصية على الثلث منها ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة وابن أبي خلف قالا حدثنا سفيان عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال مرض أبي مرضا شديدا قال ابن أبي خلف بمكة مرضا شفي منه فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بالثلثين قال لا قال فبالشطر قال لا قال فبالثلث قال الثلث والثلث كثير وإنك إن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس فإنك لن تنفق نفقة إلا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى في امرأتك قلت يا رسول الله أتخلف عن هجرتي قال إنك أن تخلف بعدي فتعمل عملا تريد به وجه الله لا تزداد به إلا رفعة ودرجة لعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون ثم قال اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة قال أبو بكر قد حوى هذا الخبر ضروبا من الأحكام والفوائد منها أن الوصية