احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 3 -صفحه : 577/ 215
نمايش فراداده

شاذ وإنما الإستعاذة قبل القراءة لنفي وساوس الشيطان عند القراءة قال الله تعالى أرسلنا من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان فإنما أمر الله بتقديم الإستعاذة قبل القراءة لهذه العلة والإستعاذة ليست بفرض لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمها الأعرابي حين علمه الصلاة ولو كانت فرضا لم يخله من تعليمها قوله تعالى كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان روى معمر عن عبد الكريم عن أبي عبيد بن محمد بن عمار بن ياسر إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان قال أخذ المشركون عمارا وجماعة معه فعذبوهم حتى قاربوهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كيف كان قلبك قال مطمئن بالإيمان قال فإن عادوا فعد قال أبو بكر هذا اصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه والإكراه المبيح لذلك هو أن يخاف على نفسه أو بعض أعضائه التلف إن لم يفعل ما أمره به فأبيح له في هذه الحال أن يظهر كلمة الكفر ويعارض بها غيره إذا خطر ذلك بباله فإن لم يفعل ذلك مع خطوره بباله كان كافرا قال محمد بن الحسن إذا أكرهه الكفار على أن يشتم محمدا صلى الله عليه وسلم فخطر بباله أن يشتم محمدا آخر غيره فلم يفعل وقد شتم النبي صلى الله عليه وسلم كان كافرا وكذلك لو قيل له لتسجدن حديث لهذا الصليب فخطر بباله أن يجعل السجود لله فلم يفعل وسجد للصليب كان كافرا فإن أعجلوه عن الروية ولم يخطر بباله شئ وقال ما أكره عليه أو فعل لم يكن كافرا إذا كان قلبه مطمئنا بالإيمان قال أبو بكر وذلك لأنه إذا خطر بباله ما ذكرنا فقد أمكنه أن يفعل الشتيمة لغير النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن مكرها على الضمير وإنما كان مكرها على القول وقد أمكنه صرف الضمير إلى غيره فمتى لم يفعله فقد اختار إظهار الكفر من غير إكراه فلزمه حكم الكفر وقوله صلى الله عليه وسلم لعمار إن عادوا فعد إنما هو على وجه الإباحة لا على وجهة الإيجاب ولا على الندب وقال أصحابنا الأفضل أن لا يعطى التقية ولا يظهر الكفر حتى يقتل وإن كان غير ذلك مباحا له وذلك لأن خبيب بن عدي لما أراد أهل مكة أن يقتلوه لم يعطهم التقية حتى قتل فكان عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند المسلمين أفضل من عمار في إعطائه التقية ولأن في ترك إعطاء التقية إعزازا للدين وغيظا للمشركين فهو بمنزلة من قاتل العدو حتى قتل فحظ الإكراه في هذا الموضع إسقاط المأثم عن قائل هذا القول حتى يكون بمنزلة من لم يقل وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فجعل المكره كالناسي والمخطئ في إسقاط المأثم عنه فلو أن رجلا نسي أو أخطأ فسبق لسانه بكلمة الكفر لم يكن عليه فيها مأثم ولا تعلق بها حكم