احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 3 -صفحه : 577/ 216
نمايش فراداده

وقد اختلف الفقهاء في طلاق المكره وعتاقه ونكاحه وأيمانه عند فقال أصحابنا ذلك كله لازم وقال مالك والشافعي لا يلزمه شئ من ذلك والذي يدل على لزوم حكم هذه الأشياء ظاهر قوله تعالى طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ولم يفرق بين طلاق المكره والطائع وقال تعالى وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا لأيمان بعد توكيدها ولم يفرق بين عهد المكره وغيره وقال كفارة أيمانكم إذا حلفتم وقال النبي صلى الله عليه وسلم طلاق جائز إلا طلاق المعتوه ويدل عليه أيضا ما روى يونس بن بكير عن الوليد بن جميع الزهري عن أبي الطفيل عن حذيفة قال أقبلت أنا وأبي ونحن نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد توجه إلى بدر فأخذنا كفار قريش فقال إنكم لتريدون محمدا فقلنا لا نريده إنما نريد المدينة قال فأعطونا عهد الله وميثاقه لتنصرفن إلى المدينة ولا تقاتلون معه فأعطيناهم عهد الله فمررنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد بدرا فأخبرناه بما كان منا وقلنا ما تأمر يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم تفي لهم بعهدهم وتستعين الله عليهم فانصرفنا إلى المدينة فذلك منعنا من الحضور معهم فأثبت النبي صلى الله عليه وسلم إحلاف المشركين إياهم على وجه الإكراه وجعلها كيمين الطوع فإذا ثبت ذلك في اليمين فالطلاق والعتاق والنكاح مثلها لأن أحدا لم يفرق بينهما ويدل عليه حديث عبد الرحمن بن حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن يوسف بن ماهك عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة فلما سوى النبي صلى الله عليه وسلم فيهن بين الجاد والهازل ولأن الفرق بين الجد والهزل أن الجاد قاصد إلى اللفظ وإلى إيقاع حكمه والهازل قاصد إلى اللفظ غير مريد لإيقاع حكمه علمنا أنه لا حظ للإرادة في نفي الطلاق وأنهما جميعا من حيث كانا قاصدين للقول أن يثبت حكمه عليهما وكذلك المكره قاصد للقول غير مريد لإيقاع حكمه فهو كالهازل سواء فإن قيل لما كان المكره على الكفر لا تبين منه امرأته واختلف حكم الطوع والإكراه فيه وكان الكفر يوجب الفرقة كالطلاق وجب أن يختلف حكم طلاق المكره والطائع قيل له ليس لفظ الكفر من ألفاظ الفرقة لا كناية ولا تصريحا وإنما تقع به الفرقة إذا حصل والمكره على الكفر لا يكون كافرا فلما لم يصر كافرا بإظهاره كلمة الكفر على وجه الإكراه لم تقع الفرقة وأما الطلاق فهو من ألفاظ الفرقة والبينونة وقد وجد إيقاعه في لفظ مكلف فوجب أن لا يختلف حكمه في حال الإكراه والطوع فإن قال قائل تساوى حال الجد والهزل في الطلاق لا يوجب تساوي حال الإكراه والطوع فيه لأن الكفر يستوي حكم جده وهزله ولم يستو حال الإكراه والطوع فيه قيل