احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 3 -صفحه : 577/ 257
نمايش فراداده

على هذا الوجه بأن يكون صاحبها أرسلها ليلا وساقها وهو غير عالم بنفشها إلى في حرث القوم فأوجبا عليه الضمان وإذا كان ذلك محتملا لم تثبت فيه دلالة على موضع الخلاف وقد تنازع الفريقان من المختلفين في حكم المجتهد في الحادثة القائلون منهم بأن الحق واحد والقائلون بأن الحق في جميع أقاويل المختلفين فاستدل كل منهم بالآية على قوله وذلك لأن الذين قالوا بأن الحق في واحد زعموا أنه لما قال تعالى سليمان فخص سليمان بالفهم دل ذلك على أنه كان المصيب للحق عند الله دون داود إذ لو كان الحق في قوليهما لما كان لتخصيص سليمان بالفهم دون داود معنى وقال القائلون بأن كل مجتهد مصيب لما لم يعنف داود على مقالته ولم يحكم بتخطئته دل على أنهما جميعا كانا مصيبين وتخصيصه لسليمان بالتفهيم لا يدل على أن داود كان مخطئا وذلك لأنه جائز أن يكون سليمان أصاب حقيقة المطلوب فلذلك خص بالتفهيم ولم يصب داود عين المطلوب وإن كان مصيبا لما كلف ومن الناس من يقول إن حكم داود وسليمان جميعا كان من طريق النص لا من جهة الاجتهاد ولكن داود لم يكن قد أبرم الحكم ولا أمضى القضية بما قال أو أن يكون قوله ذلك على وجه الفتيا لا على جهة إنفاذ القضاء بما افتى به أو كانت قضية معلقة بشريطة لم تفصل بعد فأوحى الله تعالى إلى سليمان بالحكم الذي حكم به ونسخ به الحكم الذي كان داود أراد أن ينفذه قالوا ولا دلالة في الآية على أنهما قالا ذلك من جهة الرأي قالوا وقوله ففهمناها سليمان يعني به تفهيمه الحكم الناسخ وهذا قول من لا يجيز أن يكون حكم النبي صلى الله عليه وسلم من طريق الاجتهاد والرأي وإنما يقوله من طريق النص آخر سورة الأنبياء