احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 3 -صفحه : 577/ 384
نمايش فراداده

في بيوتهم ودفعوا إليهم المفاتيح وقالوا قد أحللنا لكم أن تأكلوا منها فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون لا ندخلها وهم غيب فنزلت هذه الآية رخصة لهم فهذا تأويل ثالث وروي فيه تأويل رابع وهو ما روى سفيان عن قيس بن مسلم عن مقسم قال كانوا يمتنعون أن يأكلوا مع الأعمى والمريض والأعرج لأنه لا ينال ما ينال الصحيح فنزلت هذه الآية وقد أنكر بعض أهل العلم هذا التأويل لأنه لم يقل ليس عليكم حرج في مؤاكلة الأعمى وإنما أزال الحرج عن الأعمى ومن ذكر معه في الأكل فهذا في الأعمى إذا أكل من مال غيره على أحد الوجوه المذكورة عن السلف وإن كان تأويل مقسم محتملا على بعد في الكلام وتأويل ابن عباس ظاهره لأن قوله تعالى تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم قبل ولم يكن هذا تجارة وامتنعوا من الأكل فأنزل الله إباحة ذلك وأما تأويل مجاهد فهو سائغ من وجهين أحدهما أنه قد كانت العادة عندهم بذل الطعام لأقربائهم ومن معهم فكان جريان العادة به كالنطق به فأباح الله للأعمى ومن ذكر معه إذا استتبعوا أن يأكلوا من بيوت من اتبعوهم وبيوت آبائهم والثاني أن ذلك فيمن كان به ضرورة إلى الطعام وقد كانت الضيافة واجبة في ذلك الزمان لأمثالهم فكان ذلك القدر مستحقا من مالهم لهؤلاء فلذلك أبيح لهم أن يأكلوا منه مقدار الحاجة بغير إذن وقال قتادة إن أكلت من بيت صديقك بغير إذنه فلا بأس لقوله أو صديقكم وروي أن أعرابيا دخل على الحسن فرأى سفرة معلقة فأخذها وجعل يأكل منها فبكى الحسن فقيل له ما يبكيك فقال ذكرت بما صنع هذا إخوانا لي مضوا يعني أنهم كانوا ينبسطون في مثل ذلك ولا يستأذنون وهذا أيضا على ما كانت العادة قد جرت به منهم في مثله وقوله تعالى ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم يعني والله أعلم من البيوت التي هم سكانها وهم عيال غيرهم فيها مثل أهل الرجل وولده وخادمه ومن يشتمل عليه منزله فيأكل من بيته ونسبها إليهم لأنهم سكانها وإن كانوا في عيال غيرهم وهو صاحب المنزل لأنه لا يجوز أن يكون المراد الإباحة للرجل أن يأكل من مال نفسه إذ كان ظاهر الخطاب وابتداؤه في إباحة الأكل للإنسان من مال غيره وقال الله بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم فأباح الأكل من بيوت هؤلاء الأقرباء ذوي المحارم بجريان العادة ببذل الطعام لأمثالهم وفقد التمانع في أمثاله ولم يذكر الأكل في بيوت الأولاد لأن قوله تعالى ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم قد أفاده لأن مال الرجل منسوب إلى أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك وقال إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه فكلوا من كسب