احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 3 -صفحه : 577/ 390
نمايش فراداده

يكن وقت نزوله من السماء مخالطا للطين وكذلك ماء البحر لم ينزل من السماء على هذه الهيئة والوضوء به جائز لأن الغالب عليه هو الماء المنزل من السماء فهو إذا مع اختلاط غيره به متطهر بالماء الذي أنزله الله من السماء وسماه طهورا فإن قيل فيجب على هذا جواز الوضوء بالماء الذي خالطته نجاسة يسيرة لأنه لم يخرج بمخالطة النجاسة إياه من أن يكون هذا الماء هو المنزل من السماء قيل له الماء المخالط للنجاسة هو باق بحاله لم يصر نجس العين فلو لم يكن هناك إلا مخالطة غيره له لما منعنا الوضوء به ولكنا منعنا الطهارة به مع كونه ماء منزلا من السماء من قبل أنه لا نصل إلى استعماله إلا باستعمال جزء من النجاسة واستعمال النجاسة محظور فإنما منعنا استعمال النجاسة وليس بمحظور علينا استعمال الأشياء الطاهرة وإن خالطت الماء فإذا حصل معه استعمال الماء للطهارة جاز كمن توضأ بماء القراح ثم مسح وجهه بماء الورد أو بماء الزعفران فلا يبطل ذلك طهارته وقد أجاز الشافعي الوضوء بما ألقي فيه كافور وعنبر وهو يوجد منه ريحه وبما خالطه ورد يسير وإن وقع مثله من النجاسة في أقل من قلتين لم يجز استعماله فليس قياس النجاسة قياس الأشياء الطاهرة إذا خالطت الماء فإن قيل يلزمك أن تجيز الوضوء بالماء الذي يخالطه ما يغلب عليه شئ من الأشياء الطاهرة إذا كان الماء لو انفرد كفاء لوضوئه لأنه لو انفرد جاز ولأنه هو المنزل من السماء في حال المخالطة وإن غلب عليه غيره حتى سلبه إطلاق اسم الماء قيل له لا يجب ذلك من قبل أن غلبة غيره عليه ينقله إلى حكمه ويسقط حكم القليل معه بدلالة أن قطرة من خمر لو وقعت في حق ماء فشرب منه إنسان لم يقل إنه شارب خمر ولا يجب عليه الحد ولو أن خمرا صب فيها ماء فمزجت بين به فكان الخمر هو الغالب لإطلاق الناس عليه أنه شارب خمر وكان حكمه في وجوب الحد عليه حكم شاربها صرفا غير ممزوجة وأما ماء الورد وماء الزعفران وعصارة الريحان والشجر فلم يمنع الوضوء به من أجل مخالطة غيره ولكن لأنه ليس بالماء المفروض به الطهارة ولا يتناوله الاسم إلا بتقييد كما سمى الله تعالى المني ماء بقوله ألم نخلقكم من ماء مهين وقال والله خلق كل دابة من ماء وليس هو من الماء المفروض به الطهارة في شئ وأما مذهب الحسن بن صالح في إجازته الوضوء بالخل ونحوه فإنه يلزمه إجازته بالمرق وبعصير أهل العنب لو خالطه شئ يسير من ماء ولو جاز ذلك لجاز الوضوء بسائر المائعات من الأدهان وغيرها وهذا خلاف الإجماع ولو جاز ذلك لجاز التيمم بالدقيق والأشنان قياسا على التراب