احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 3 -صفحه : 577/ 411
نمايش فراداده

النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن يحكم في الإنسان بما لا يحكم به في نفسه لوجوب طاعته لأنها مقرونة بطاعة الله تعالى قال أبو بكر الخبر الذي قدمنا لا ينافي ما عقبناه به من المعنى ولا يوجب الاقتصار بمعناه على قضاء الدى المذكور فيه وذلك لأنه جائز أن يكون مراده إنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم في أن يختاروا ما أدعوهم إليه دون ما تدعوهم أنفسهم إليه وأولى بهم في الحكم عليهم ولزومهم اتباعه وطاعته ثم أخبر بعد ذلك بقضاء ديونهم وقوله تعالى وأزواجه أمهاتهم قيل فيه وجهان أحدهما أنهم كأمهاتهم في وجوب الإجلال والتعظيم والثاني تحريم نكاحهن وليس المراد أنهن كالأمهات في كل شئ لأنه لو كان كذلك لما جاز لأحد من الناس أن يتزوج بناتهن لأنهن يكن أخوات للناس وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم بناته ولو كن أمهات في الحقيقة ورثن المؤمنين وقد روي في حرف عبد الله وهو أب لهم ولو صح ذلك كان معناه أنه كالأب لهم في الإشفاق عليهم وتحري مصالحهم كما قال تعالى جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم وقوله تعالى إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا روي عن محمد بن الحنفية أنها نزلت في جواز وصية المسلم لليهودي والنصراني وعن الحسن أن تصلوا أرحامكم وقال عطاء هو المؤمن والكافر بينهما قرابة إعطاؤه له أيام حياته ووصيته له وحدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا قال إلا أن يكون لك ذو قرابة ليس على دينك فتوصي له بشئ هو وليك في النسب وليس وليك في الدين وقوله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة من الناس من يحتج به في وجوب أفعال النبي صلى الله عليه وسلم ولزوم التأسي به فيها ومخالفو بعد هذه الفرقة يحتجون به أيضا في نفي إيجاب أفعاله فأما الأولون فإنهم ذهبوا إلى أن التأسي به هو الإقتداء به وذلك عموم في القول والفعل جميعا فلما قال تعالى لمن كان يرجو الله واليوم الآخر دل على أنه واجب إذ جعله شرطا للإيمان كقوله تعالى واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ونحوه من الألفاظ المقرونة إلى الإيمان فيدل على الوجوب واحتج الآخرون بأن قوله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة يقتضي ظاهره الندب دون الإيجاب لقوله تعالى لكم مثل قول القائل لك أن تصلي ولك أن تتصدق لا دلالة فيه على الوجوب بل يدل ظاهره على أن له فعله وتركه وإنما كان يدل على