احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 3 -صفحه : 577/ 461
نمايش فراداده

وقوله تعالى رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية وصدق بصائرهم فهم قوم بأعيانهم قال ابن عباس كانوا ألفين وخمس مائة وقال جابر ألفا وخمس مائة فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء الله إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان وقد أكد ذلك بقوله فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم أخبر أنه علم من قلوبهم صحة البصيرة وصدق النية وأن ما أبطنوه مثل ما أظهروه وقوله تعالى فأنزل السكينة عليهم يعني الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما وقوله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم الآية روي عن ابن عباس أنها نزلت في قصة الحديبية وذلك أن المشركين قد كانوا بعثوا أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرى فخلى سبيلهم وروي أنها نزلت في فتح مكة حين دخلها النبي صلى الله عليه وسلم عنوة فإن كانت نزلت في فتح مكة فدلالتها ظاهرة على أنها فتحت عنوة لقوله تعالى من بعد أن أظفركم عليهم ومصالحتهم لا ظفر فيها للمسلمين فاقتضى ذلك أن يكون فتحها عنوة وقوله تعالى والهدي معكوفا أن يبلغ محله يحتج به من يجيز ذبح هدي الإحصار في غير الحرم لإخباره بكونه محبوسا عن بلوغ محله ولو كان قد بلغ الحرم وذبح فيه لما كان محبوسا عن بلوغ المحل وليس هذا كما ظنوا لأنه قد كان ممنوعا بديا عن بلوغ المحل ثم لما وقع الصلح زال المنع فبلغ محله وذبح في الحرم وذلك لأنه إذا حصل المنع في أدنى وقت فجائز أن يقال قد منع كما قال تعالى يا أبانا منع منا الكيل وإنما منع في وقت وأطلق في وقت آخر وفي الآية دلالة على أن المحل هو الحرم لأنه قال والهدي معكوفا أن يبلغ محله فلو كان محله غير الحرم لما كان معكوفا عن بلوغه فوجب أن يكون المحل في قوله ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله هو الحرم رمي حصون المشركين وفيهم أطفال المسلمين وأسراهم كان أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والثوري لا بأس برمي حصون المشركين وإن كان فيها أسارى وأطفال من المسلمين ولا بأس بأن يحرقوا الحصون