احکام القرآن

احمد بن علی جصاص

جلد 3 -صفحه : 577/ 463
نمايش فراداده

الكفر لأن الصغار لا يجوز أن يكونوا كفارا في الحقيقة ولا يستحقون القتل ولا العقوبة لفعل آبائهم في باب سقوط الدية والكفارة وأما احتجاج من يحتج بقوله رجال مؤمنون وساء مؤمنات الآية في منع رمي الكفار لأجل من فيهم من المسلمين فإن الآية لا دلالة فيها على موضع الخلاف وذلك لأن أكثر ما فيها أن الله كف المسلمين عنهم لأنه كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم وذلك إنما تدل إباحة ترك رميهم والإقدام عليهم فلا دلالة على حظر الإقدام عليهم مع العلم بأن فيهم مسلمين لأنه جائز أن يبيح الكف عنهم لأجل المسلمين وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير فإذا لا دلالة فيها على حظر الإقدام فإن قيل في فحوى الآية ما يدل على الحظر وهو قوله لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم فلولا الحظر ما أصابتهم معرة من قتلهم بإصابتهم إياهم قيل له قد اختلف أهل التأويل في معنى المعرة ههنا فروي عن ابن إسحاق أنه غر الدية وقال غيره الكفارة وقال غيرهما الغم باتفاق قتل المسلم على يده لأن المؤمن يغم لذلك وإن لم يقصده وقال آخرون العيب وحكي عن بعضهم أنه قال المعرة الإثم وهذا باطل لأنه تعالى قد أخبر أن ذلك لو وقع كان بغير علم منا لقوله تعالى تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ولا مأثم عليه فيما لم يعلمه ولم يضع الله عليه دليلا قال الله تعالى عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم فعلمنا أنه لم يرد المأثم ويحتمل أن يكون ذلك كان خاصا في أهل مكة لحرمة الحرم ألا ترى أن المستحق للقتل إذ لجأ إليها لم يقتل عندنا وكذلك الكافر الحربي إذا لجأ إلى الحرم لم يقتل وإنما يقتل من انتهك حرمة الحرم بالجناية فيه فمنع المسلمين من الإقدام عليهم خصوصية لحرمة الحرم ويحتمل أن يريد ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات قد علم أنهم سيكونون من أولاد هؤلاء الكفار إذ لم يقتلوا فمنعنا قتلهم لما في معلومه من حدوث أولادهم مسلمين وإذا كان في علم الله أنه إذا أبقاهم كان لهم أولاد مسلمون أبقاهم ولم يأمر بقتلهم وقوله لو تزيلوا على هذا التأويل لو كان هؤلاء المؤمنون الذين في أصلابهم قد ولدوهم وزايلوهم لقد كان أمر بقتلهم وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين لأن القصد في الحالين رمى المشركين دونهم ومن أصيب منهم فلا دية فيه ولا كفارة كما أن من أصيب برمي حصون الكفار من المسلمين الذين في الحصن لم يكن فيه دية