اعجاز القرآن

محمد بن طیب باقلانی

نسخه متنی -صفحه : 396/ 144
نمايش فراداده

بيتان فصاعدا .

وقالوا أيضا : إن ما كان على وزن بيتين ، إلا أنه يختلف وزنهما أو قافيتهما ( 1 ) - فليس بشعر .

ثم منهم من قال : إن الرجز ليس بشعر أصلا ، لا سيما إذا كان مشطورا أو منهوكا .

وكذلك ما كان يقاربه ( 2 ) في قلة الاجزاء .

وعلى هذا يسقط السؤال .

ثم يقولون : إن الشعر إنما يطلق ، متى قصد القاصد إليه - على الطريق الذى يعتمد ويسلك ، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء ، دون ما يستوى فيه العامي والجاهل ، والعالم بالشعر واللسان وتصرفه وما يتفق من كل واحد ، فليس يكتسب اسم الشعر ولا صاحبه اسم شاعر ، لانه لو صح أن يسمى كل من اعترض في كلامه ألفاظ تتزن بوزن الشعر ، أو تنتظم انتظام بعض الاعاريض ، كان الناس كلهم شعراء ، لان كل متكلم لا ينفك من أن يعرض في جملة كلام كثير يقوله ، ما قد يتزن بوزن الشعر وينتظم انتظامه .

ألا ترى أن العامي قد يقول لصاحبه : " أغلق الباب وائتنى بالطعام " .

ويقول الرجل لاصحابه " أكرموا من لقيتم من تميم " ؟

ومتى تتبع الانسان هذا [ النحو ] عرف أنه يكثر في تضاعيف الكلام مثله وأكثر منه ( 3 ) .

وهذا القدر الذى يصح فيه التوارد ، ليس يعده أهل الصناعة سرقة ، إذا لم تعلم فيه حقيقة الاخذ .

كقول امرئ القيس : وقوفا بها صحبى على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجمل ( 4 )

( 1 ) س : " يختلف رويهما وقافيتهما " .

( 2 ) س : " يقارنه " .

( 3 ) قال الجاحظ في البيان والتبيين 1 - 288 : " ويدخل على من طعن في قوله : ( تبت يدا أبى لهب ) وزعم أنه شعر لانه في تقدير مستفعلن مفاعلن .

فيقال له : اعلم أنك لو اعترضت الناس وخطبهم ورسائلهم لوجدت فيها مثل مستفعلن مستفعلن كثيرا ، ومستفعلن مفاعلن .وليس أحد في الارض يجعل ذلك المقدار شعرا .

ولو أن رجلا من الباعة صاح : من يشترى باذنجان ؟

لقد كان تكلم بكلام في وزن مستفعلن مفعولات ! وكيف يكون هذا شعرا وصاحبه لم يقصد إلى الشعر ؟

ومثل هذا المقدار من الوزن قد يتهيأ في جميع الكلام .

وإذا جاء المقدار الذى يعلم أنه من نتاج الشعر والمعرفة بالاوزان والقصد إليها ، كان ذلك شعرا .

وسمعت غلاما لصديق لى ، وكان قد سقى بطنه ، وقد يقول لغلمان مولاه : اذهبوا إلى الطبيب وقولوا : قد اكتوى .

وهذا الكلام يخرج وزنه على خروج فاعلاتن مفاعلن . فاعلاتن مفاعلن . مرتين .

وقد علمت أن هذا الغلام لم يخطر على باله قط أن يقول بيت شعرا أبدا .

ومثل هذا كثير ، ولو تتبعته في كلام حاشيتك وغلمانك لوجدته " .

( 4 ) ديوانه ص 125 .