بيتان فصاعدا .
وقالوا أيضا : إن ما كان على وزن بيتين ، إلا أنه يختلف وزنهما أو قافيتهما ( 1 ) - فليس بشعر .
ثم منهم من قال : إن الرجز ليس بشعر أصلا ، لا سيما إذا كان مشطورا أو منهوكا .
وكذلك ما كان يقاربه ( 2 ) في قلة الاجزاء .
وعلى هذا يسقط السؤال .
ثم يقولون : إن الشعر إنما يطلق ، متى قصد القاصد إليه - على الطريق الذى يعتمد ويسلك ، ولا يصح أن يتفق مثله إلا من الشعراء ، دون ما يستوى فيه العامي والجاهل ، والعالم بالشعر واللسان وتصرفه وما يتفق من كل واحد ، فليس يكتسب اسم الشعر ولا صاحبه اسم شاعر ، لانه لو صح أن يسمى كل من اعترض في كلامه ألفاظ تتزن بوزن الشعر ، أو تنتظم انتظام بعض الاعاريض ، كان الناس كلهم شعراء ، لان كل متكلم لا ينفك من أن يعرض في جملة كلام كثير يقوله ، ما قد يتزن بوزن الشعر وينتظم انتظامه .
ألا ترى أن العامي قد يقول لصاحبه : " أغلق الباب وائتنى بالطعام " .
ويقول الرجل لاصحابه " أكرموا من لقيتم من تميم " ؟
ومتى تتبع الانسان هذا [ النحو ] عرف أنه يكثر في تضاعيف الكلام مثله وأكثر منه ( 3 ) .
وهذا القدر الذى يصح فيه التوارد ، ليس يعده أهل الصناعة سرقة ، إذا لم تعلم فيه حقيقة الاخذ .
كقول امرئ القيس : وقوفا بها صحبى على مطيهم يقولون لا تهلك أسى وتجمل ( 4 )
( 1 ) س : " يختلف رويهما وقافيتهما "
. ( 2 ) س : " يقارنه "
. ( 3 ) قال الجاحظ في البيان والتبيين 1 - 288 : " ويدخل على
من طعن في قوله : ( تبت يدا أبى لهب ) وزعم أنه شعر لانه في تقدير مستفعلن مفاعلن . فيقال له : اعلم أنك لو اعترضت الناس وخطبهم ورسائلهم لوجدت فيها مثل مستفعلن مستفعلن كثيرا ،
ومستفعلن مفاعلن .وليس أحد في الارض يجعل ذلك المقدار شعرا . ولو أن رجلا من الباعة صاح : من يشترى باذنجان ؟ لقد كان تكلم بكلام في وزن مستفعلن مفعولات ! وكيف
يكون هذا شعرا وصاحبه لم يقصد إلى الشعر ؟ ومثل هذا المقدار من الوزن قد يتهيأ في جميع الكلام . وإذا جاء المقدار الذى يعلم أنه من نتاج الشعر والمعرفة بالاوزان والقصد إليها ، كان ذلك شعرا . وسمعت غلاما لصديق لى ، وكان قد سقى بطنه ، وقد يقول لغلمان مولاه : اذهبوا إلى الطبيب وقولوا : قد
اكتوى . وهذا الكلام يخرج وزنه على خروج فاعلاتن مفاعلن .
فاعلاتن مفاعلن .
مرتين . وقد علمت أن هذا الغلام لم يخطر على باله قط أن يقول بيت شعرا أبدا . ومثل هذا كثير ، ولو تتبعته في كلام حاشيتك وغلمانك لوجدته " . ( 4 ) ديوانه ص 125 .