وتصنعه للمطابق كثير حسن ، وتعمقه في وجوه الصنعة على وجه طلب السلامة ، والرغبة في السلاسة ، فلذلك يخرج سليما من العيب في الاكثر .
وأما وقوف الالفاظ به عن تمام الحسنى ، وقعود العبارات عن الغاية القصوى ، فشئ لا بد منه ، وأمر لا محيص عنه .
كيف وقد وقف على من هو أجل منه وأعظم قدرا في هذه الصنعة ، وأكبر في الطبقة ، كامرئ القيس ، وزهير ، والنابغة ، وابن هرمة ( 1 ) .
ونحن نبين تميز كلامهم ، وانحطاط درجة قولهم ، ونزول طبقة نظمهم عن بديع نظم القرآن ، في باب مفرد ، يتصور به ذو الصنعة ما يجب تصوره ، ويتحقق ( 2 ) وجه الاعجاز فيه ، بمشيئة الله وعونه .
ثم رجع الكلام بنا إلى ما قدمناه ، من أنه لا سبيل إلى معرفة إعجاز القرآن من البديع الذى ادعوه في الشعر ووصفوه فيه .
وذلك : أن هذا الفن ليس فيه ما يخرق العادة ، ويخرج عن العرف ، بل يمكن استدراكه بالتعلم والتدرب به والتصنع له ، كقول الشعر ، ورصف الخطب ، وصناعة الرسالة ، والحذق في البلاغة .
وله طريق يسلك ، ووجه يقصد ، وسلم يرتقى فيه إليه ، ومثال قد يقع طالبه عليه .
فرب إنسان يتعود أن ينظم جميع كلامه شعرا ، وآخر يتعود ( 3 ) أن يكون جميع خطابه سجعا ، أو صنعة متصلة ، لا يسقط من كلامه حرفا ( 4 ) ، وقد يتأتى له لما قد تعوده ( 5 ) .
وأنت ترى أدباء زماننا يضعون ( 6 ) المحاسن في جزء .
وكذلك يؤلفون أنواع البارع ، ثم ينظرون فيه إذا أرادوا إنشاء قصيدة أو خطبة فيحسنون ( 7 ) به كلامهم .
ومن كان قد تدرب وتقدم في حفظ ذلك - استغنى عن هذا التصنيف ، ولم يحتج إلى تكلف هذا التأليف ، وكان ما أشرف عليه من هذا الشأن باسطا من باع كلامه ، وموشحا بأنواع البديع ما يحاوله من قوله .
( 1 ) في جميع الطبعات السابقة " والنابغة وإلى يومه ونحن نبين " ! ! ! ( 2 ) م " ويتيقن " ( 3 ) س ، ك " شعرا أو
يتعود " ( 4 ) س ، ك " حرف وقد يباده به ما قد " ( 5 ) س ، ك " يضيفون " ( 6 ) س ، ك " فيحشون " ( 7 ) س ، ك " اشتغل "