بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله المنعم على عباده بما هداهم إليه من الايمان ، والمتمم إحسانه بما أقام لهم من جلى البرهان ، الذى حمد نفسه بما ( 1 ) أنزل من القرآن ، ليكون بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، وهاديا إلى ما ارتضى لهم من دينه ، وسلطانا أوضح وجه تبيينه ( 2 ) ، ودليلا على وحدانيته ، ومرشدا إلى معرفة عزته وجبروته ، ومفصحا عن صفات جلاله ، وعلو شأنه وعظيم ( 3 ) سلطانه ، وحجة لرسوله الذى أرسله به ، وعلما على صدقه ، وبينة على أنه أمينه على وحيه ، وصادع بأمره .
فما أشرفه من كتاب يتضمن صدق متحمله ، ورسالة تشتمل على قول مؤديها .
بين فيه سبحانه أن حجته كافية هادية ، لا يحتاج مع وضوحها إلى بينة تعدوها ، أو ( 4 ) حجة تتلوها ، وأن الذهاب عنها كالذهاب عن الضروريات ، والتشكك في المشاهدات .
ولذلك قال عز ذكره : ( ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) ( 5 ) .
وقال عز وجل :
( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون . لقالوا : إنما سكرت أبصارنا ، بل نحن قوم مسحورون ) ( 6 ) .
فله الشكر على جزيل إحسانه ، وعظيم مننه .
والصلاة على محمد المصطفى وآله ، وسلم ومن أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه ، وأولى ما يلزم بحثه ،
( 1 ) ا : " فيما "
( 2 ) م : " بينته "
( 3 ) م : " وعظم "
( 4 ) م : " ولا "
( 5 ) سورة الانعام : 7
( 6 ) سورة الحجر : 15 . يعرجون : يصعدون . سكرت : صارت سكرى ، أي غشيهم ما غطى أبصارهم ، كما غشى السكران ما غطى عقله ، القرطبى 10 8 - 9