تطور البنیة الفنیة فی القصة

شریبط أحمد شریبط

نسخه متنی -صفحه : 94/ 15
نمايش فراداده

لنتاج القصة القصيرة في الأدب الجزائري.

مما كنا بينا كثيراً منه في الصحفات السابقة الخاصة بالبناء الفني.

ب- القصة التجريبية

لم يخل الأدب العربي المعاصر من موجات التجديد التي اجتاحت الحياة الفنية والأدبية المعاصرة، ابتداءً من الحرب العالمية الثانية، وذلك بدافع الآثار السيئة للحرب التي خلفت مآسي إنسانية فادحة.

فقد كانت الحاجة شديدة لأشكال فنية حديثة تعبر عن الحياة الجديدة ومظاهرها، وهكذا بدأت الثورة على كثير من المفهومات الفكرية والأدبية والأشكال الفنية.

فقد شرع بعض الأدباء يهجرون الأشكال الأدبية السابقة بدعوى أنها عاجزة عن تصوير الحياة الإنسانية المعاصرة، وأنه لا يمكنها التغلغل في النفس الإنسانية، ورسم إحساساتها في الظروف الجديدة.

فكان أن ظهرت ثورة في الشكل المسرحي، وثورة في الشكل الروائي وظهرت مصطلحات أدبية كالرواية الجديدة، كما ظهرت القصة الجديدة التجريبية التي هي مجال حديثنا.

وفيما يلي تحليل لمظاهر هذه الثورة وللعناصر الفنية الأساسية لهذه الدعوة وأفقها الفني.

بدأت ملامح الاتجاه الجديد في كتابة القصة في الأدب العربي في نهاية الستينات، بفعل تأثيرات حضارية، أصيب الفرد العربي-خاصة المثقف- خلالها بالقلق، والإحساس بالخيبة، فكان أن تولد في أعماقه شعور عنيف برتابة الحياة، وعدم جدواها، وتكون لديه إحساس بضرورة التخطيط لثورة على الاتجاه الواقعي الذي طبع القصة القصيرة لمدة تزيد عن عشرين عاماً.

كما طرحت مصطلحات أدبية جديدة، مثل الرواية الجديدة"اللارواية" والقصة الجديدة"اللاقصة".

أما العناصر الفنية الجديدة لفن القصة التجريبية، فتتعلق بالشكل الجديد الذي بني على تداخل الأزمنة وتعدد مستويات الفهم والبناء داخل التجربة الواحدة، واستعمال أسلوب التداعي، والحوار الداخلي.

والاتجاه إلى الرمز بدلاً من التصريح والتعبير المباشر.

ويمكننا أن نحصر أبرز العناصر الفنية للقصة التجريبية في الأمور التالية:

1- عرض لوحات من الحياة البشرية، لا تعتمد في صياغتها على نتاج الأحداث مثلما يفعل كتاب القصة التقليدية.

2- إلغاء التتابع الزمني، وذلك بسبب تحطيم عناصر الخبر الثلاثة(المقدمة، والعقدة، والنهاية) للقصة القصيرة.

3- عدم وضوح الشخصية الواحدة في القصة التجريبية، وإنما قد تتعدد الشخصيات حسب تعدد المقاطع التي يتشكل منها حجم القصة.

4- الاعتماد على تيار الوعي.

5- تكثيف التعبير بحيث تقترب لغة القصة التجريبية، من لغة القصيدة في كثافتها، وايماءاتها 6- الاهتمام بالتحليل النفسي للشخصية، لسبر أغوارها، وذلك عن طريق الحوار الداخلي.

7- عرض الشخصية في موقف متأزم، وذلك من خلال مواجهتها للأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية والفكرية.

رغم النماذج الكثيرة للقصّة القصيرة التجريبية، وحماسة كتابها ودعاتها ومحاولاتهم الدائمة لإثبات مسوغات نقدية لها عن طريق الصحافة الأدبية العربية، والتجمعات الثقافية، فإن هذا الشكل لا يزال متردداً في اقتحام عالم القصة القصيرة التي مازالت تحافظ على عناصرها المعروفة.

وقد ناهض العديد من كتاب القصة، والنقاد هذا الشكل الجديد وعدّوه تشويهاً للفن، كما رأوا في نماذجه القصصية غلوا في التجديد وتغريباً في الشكل الفني.

قال يوسف السباعي عن أصحاب الكتابة الجديدة إنهم((قذفوا في وجه الحياة الأدبية بمجموعات من الأعمال الغامضة المبهمة، وادعوا أن هذا هو الأدب، وإن هذا هو الجانب الجديد في الفن) .

تلك هي الملامح الفنية للقصة التجريبية التي ظهرت في الأدب العربي المعاصر في أواخر الستينات، متأثرة بالأشكال الجديدة للفن القصصي الغربي، والذي أفرزته جملة من الظروف الاقتصادية والحضارية والذاتية.

وقد اضطرتني نماذج كثيرة في القصة الجزائرية القصيرة، ظهرت بعد الستينات، إلى استعمال مصطلح(المفهوم التجريبي) لهذا النوع من القصة القصيرة خصوصاً عند الأدباء: جروة علاوة وهبي، وحرز الله محمد الصالح، والأعرج واسيني ومحمد الأمين الزاوي وعبد العزيز بوشفيرات، وعبد الحميد بورايو، وإلى الحديث عن الملامح الفنية الأساسية لهذا الشكل الجديد.

وعموماً فإنّ الرؤية النظرية لهذه التجربة لم تتبلور بعد في النقد العربي المعاصر، شأنها في ذلك شأن بعض التجارب الأدبية الأخرى، كقصيدة النثر والقصيدة الإلكترونية.