وقربه منه ثم يرد عليه حالة من إجلال الله تعالى أن يقرب مثله أو يرضى عن مثله استحقارا لنفسه وإجلالا لربه ثم ترد عليه حالة فيستوفيه حق الله تعالى فيغيبه عن رؤية صفته التي هي رؤية ذهاب حظه فلا يبقى فيه إلا ما من الله إليه ويفنى عنه ما منه الى الله فيكون كما كان إذ كان في علم الله تعالى قبل أن يوجده وسبق له منه ما سبق من غير فعل كان منه وعبارة أخرى عن الفناء أن الفناء هو الغيبة عن صفات البشرية بالحمل الموله من نعوت الالهية وهو أن يفنى عنه أوصاف البشرية التي هي الجهل والظلم لقوله تعالى وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ومن أوصافه الكنود والكفور وكل صفة ذميمة تفنى عنه بمعنى أن يغلب علمه جهله وعدله ظلمه وشكره كفرانه وأمثالها قال أبو القاسم فارس الفناء حال من لا يشهد صفته بل يشهدها مغمورة بمغيبها وقال فناء البشرية ليس على معنى عدمها بل على معنى أن تغمد بلذة توفى على رؤية الالم واللذة الجارية على العبد في الحال كصواحبات يوسف عليه السلام قطعن أيديهن لفناء أوصافهم ولما ورد على أسرارهن من لذة النظر إلى يوسف مما غيبهم عن ألم ما دخل عليهن من قطع
ومنهم من جعل هذه الأحوال كلها حالا واحدة وإن اختلفت عباراتها فجعل الفناء بقاء والجمع تفرقة وكذلك الغيبة والشهود والسكر والصحو وذلك أن الفاني عماله باق بما للحق والباقي بما للحق فإن عماله والمفارق مجموع لأن لا يشهد إلا الحق والمجموع مفارق لأنه لا يشهد إياه ولا الخلق وهو باق لدوامه مع الحق وهو جامعه به وهو فان عما سواه مفارق لهم وهو غائب سكران لزوال التمييز عنه ومعنى زوال التمييز عنه هو ما قلناه بين الآلام والملاذ وبمعنى أن الأشياء تتوحد له فلا يشهد مخالفة إذ لا يصرفه الحق إلا في موافقاته وإنما تميز بين الشيئ وغيره فإذا صارت الأشياء شيئا واحدا سقط التمييز وعبر جماعة عن الفناء بأن قالوا يؤخذ العبد من كل رسم كان له وعن كل مرسوم فيبقى في وقته بلا بقاء يعلمه ولا فناء يشعر به ولا وقت يقف عليه بل يكون خالقه عالما ببقائه وفنائه ووقته وهو حافظ له عن كل مذموم واختلفوا في الفاني هل يرد إلى بقاء الأوصاف أم لا قال بعضهم يرد الفاني إلى بقاء الأوصاف وحالة الفناء لا تكون على الدوام لأن دوامها يوجب تعطيل الجوارح عن أداء المفروضات وعن حركتها في أمور معاشها ومعادها ولأبي العباس بن عطاء في ذلك كتاب سماه كتاب عودة لصفات وبدئها وأما الكبار منهم والمحققون فلم يروا رد الفاني إلى بقاء الأوصاف منهم الجنيد والخراز والنوري وغيرهم قالفناء فضل من الله عز وجل وموهبة العبد وإكرام منه له واختصاص له به وليس هو من الأفعال المكتسبة وإنما هو شيئ يفعله الله عز وجل بمن اختصه لنفسه واصطنعه له فلو رده إلى صفته كان في ذلك سلب ما أعطى واسترجاع ما وهب وهذا غير لائق باله عز وجل أو يكون من جهة البداء والبداء صفة من استفات العلم وهذا من الله عز وجل منفي أو يكون ذلك